الإربلي أديب ناضج الأدب، يمرّ على القصائد و الأبيات التي ينقلها في مؤلّفاته الأدبيّة مترويا فيها و مستخرجا ما أبدع الشاعر فيها من المعاني الطريفة و النكات المستملحة الظريفة، فيقرظها مع ذكر ما فيها من محاسن الإشارات و لطائف الكنايات، و ربّما ينقد بعضها بما يعنّ له من النقد الأدبي، و هو بالإضافة إلى ذلك يشرح ما يحتاج إلى الشرح و التوضيح من غريب اللغة و ما دقّ معناه و خفي مرماه من مقاصد الشاعر، و بذلك يوجّه قارئه إلى ما صحّ لديه ممّا ربّما يخفى على القارئ (2).
هذا، و لا يخفي أديبنا شديد ابتهاجه ببعض ما ينقله من الشعر الجزل الرائع، فيقول مثلا: «هذا هو الشعر الذي تطرب له النفوس فرحا و مسرة، و يلوح على وجه المعاني الرائقة غرة، و ما عسى أن يقال في شيخ الصناعة و فارس البراعة» (3).
و عند النقد يصارح صاحبه بنقده، و ربّما خالطته شدّة في القول و لحن لا يخلو من السخرية و الاستهزاء، فنراه يقول في بيت سعيد بن حميد الكاتب «دموع صب سفحت في خد»، يقول: لو قال «دموع حب» لكان أنسب و أدل على المعنى، إذ ليس من المعلوم المستعمل أن يشبّه الصب بالورد، و لكن هذا يحتاج إلى ذهن نقّاد و خاطر وقّاد، فيضع الهناء مواضع النقب، و يفرق بين ذوي العمائم و ذوات النقب (4).
و في قول ابن الحنفي «لقتل الغمض في مقلتي و هنا» يقول: و لو قال «لقتل الغمض في مقلتي و سنى» كان أجود و أكثر ملائمة، و كأنّه به قد خاف من أن يصف مقلته بأنّها و سناء، و ليت شعري لو أنّها كذلك و إلّا أيّ شيء كان يقتل البرق في جفنه، و في قوله «الغمض» دليل على ما فرّ منه (5).
و يعارض أبا هلال العسكري، فيقول: هذه الأبيات قد استحسنها أبو هلال،