responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : كشف الغمة في معرفة الأئمة نویسنده : المحدث الإربلي    جلد : 1  صفحه : 116

و وقفوا أسماعهم على العلم النافع لهم، نزلت أنفسهم منهم في البلاء كالذي نزلت في الرخاء، و لو لا الأجل الذي كتب اللّه لهم لم تستقرّ أرواحهم في أجسادهم طرفة عين، شوقا إلى الثواب و خوفا من العقاب، عظم الخالق في أنفسهم فصغر ما دونه في أعينهم، فهم و الجنّة كمن قد رآها فيهم فيها منعّمون، و هم و النّار كمن قد رآها فهم فيها معذّبون، قلوبهم محزونة، و شرور هم مأمونة، و أجسادهم نحيفة، و حاجاتهم خفيفة، و أنفسهم عفيفة، صبروا أيّاما قصيرة أعقبتهم راحة طويلة، تجارة مربحة، يسّرها لهم ربّهم، أرادتهم الدّنيا و لم يريدوها، و أسرتهم ففدوا أنفسهم منها.

أمّا الليل فصافّون أقدامهم تالين لأجزاء القرآن، يرتّلونه ترتيلا، يحزنون به أنفسهم و يستثيرون به دواء دائهم (1)، فإذا مرّوا بآية فيها تشويق ركنوا إليها طمعا، و تطلعت نفوسهم إليها شوقا، و ظنّوا أنّها نصب أعينهم، و إذا مرّوا بآية فيها تخويف أصغوا إليها مسامع قلوبهم، و ظنّوا أنّ زفير جهنّم و شهيقها في أصول آذانهم، فهم حانون على أوساطهم (2) مفترشون لجباههم و أكفّهم و ركبهم و أطراف أقدامهم (3) يطلبون إلى اللّه فكاك رقابهم.

و أمّا النّهار فحلماء علماء أبرار أتقياء، قد براهم الخوف برى القداح (4)، ينظر إليهم الناظر فيحسبهم مرضى و ما بالقوم من مرض، و يقول: قد خولطوا و لقد خالطهم أمر عظيم، لا يرضون من أعمالهم القليل، و لا يستكثرون الكثير، فهم لأنفسهم متّهمون، و من أعمالهم مشفقون، إذا زكى أحد منهم خالف ممّا يقال له فيقول: أنا أعلم بنفسي من غيري، و ربّي أعلم منّي بنفسي، اللهمّ لا تؤاخذني بما يقولون، و اجعلني أفضل ممّا يظنّون، و اغفر لي ما لا يعلمون.

فمن علامة أحدهم أنّك ترى له قوّة في دين، و حزما في لين، و إيمانا في يقين،


(1) استثاره بمعنى هاجه. قال ابن أبي الحديد: و هذا إشارة إلى البكاء فإنّه دواء داء الحزين. قال الشاعر:

فقلت لها إنّ البكاء لراحة * * * به يشتفى من ظنّ أن لا تلاقى‌

(2) حنى العود أو الظهر: عطفهما. يصف (عليه السلام) هيئة ركوعهم و انحنائهم في الصلاة.

(3) قوله (عليه السلام): مفترشون لجباههم أي باسطون، ثمّ ذكر الأعضاء السبعة التي مباشرتها بالأرض فروض في الصلاة و هي الجبهة و الكفّان و الركبتان و القدمان.

(4) برى السهم بريا: نحته. و الأقدام: السهام واحدها قدح.

نام کتاب : كشف الغمة في معرفة الأئمة نویسنده : المحدث الإربلي    جلد : 1  صفحه : 116
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست