فلمّا صعدنا الجبل، أصابنا فوقه مطر و هواء بارد، و صار الصخر تزلق فيه الأقدام، و لا يقدر الراكب يستمسك على الدابّة من الهواء البارد و شدّته و المطر فشرعت أنا في قراءة آية الكرسي، فليس أحد من أهل القافلة الّا و قد سقط من الدابّة، و أنا بحمد اللّه وصلت الى المنزل سالما.
فلمّا وصلنا المنزل، كان فيه خان صغير و له حوش [1] و ليس فيه حجر و انّما فيه طوائل للدوابّ و مرابطها، فأدخلنا أغراضنا و الكتب الى طويلة و وضعنا فوق صفتها، فاتّفق أنّ تلك الطوائل كان فيها سماد كثير، و قد عمد اليه بعض المترددين و وضع فيه النار لأجل أن يحترق ذلك السماد، فما كان في تلك الطوائل الّا الدّخان الخانق، و مطرت السماء، فتحيرنا بين المطر و الدخان، فكنّا نقبض على خياشيمنا، فاذا ضاقت أنفاسنا خرجنا من الطويلة الى الحوش و تنفّسنا و رجعنا، فكنّا تلك الليلة وقوفا ليس لنا حاجة الّا الخروج للتنفّس، و يا اخوان! ما كان أطول تلك الليلة.
امرأة ذات لحية طويلة
فلمّا أصبح الصباح و طلعت الشمس و خرجنا الى الحوش، و جاءنا أهل تلك القرية يبيعون علينا الخبز و غيره، فأتت إلينا امرأة منهم و كان لها لحية طويلة نصفها بيضاء و نصفها سوداء فتعجّبنا منها.
بركة آية الكرسى
ثمّ اننّا وصلنا الى بعقوبا فأودعنا كتبنا و أعراضنا لأهل القافلة، و مضينا نحن مع جماعة قليلة الى «سرّ من رأى» فلمّا عزلنا عن القافلة، و سرنا فرسخا تقريبا، لقينا رجل، فقال لنا: انكم تمضون و اللصوص أمامكم في نهر الباشا،