فكأنّ الرّب المنعم اللّطيف، يترصّد الى حيلة في لطفه على عبده الضّعيف، و هذا كما قاله الشاعر الفارسي، و لنعم ما قال.
رحمت حق بهانه مىجويد * * * رحمت حق بها، نمىجويد
(النكتة الثانية) أنّ اللّه سبحانه و تعالى، لا حدّ لكرمه و لا نهاية له، خصوصا في هذه الصورة، لأنّ الولد الذي خلفه والده، لربما يخلف أيضا ولدا صالحا و يحسب هذا أيضا من أعماله الصالحة، و كذا ولد الولد الى آخره، فيتسلسل الى يوم القيامة، و كله راجع الى الوالد الأول، فكيف اذا ترك أولادا كثيرين في كل طبقة.
(و لعمري) كذا كان السيد الجزائري (قدس سره) و طيّب رمسه) فإن في ذريته علماء صلحاء، و نجباء أدباء، و خطباء فقهاء، في كل دهر و عصر، اشتغلوا في ترويج الدين، و نشر ولاية امير المؤمنين، و آله المعصومين، (سلام اللّه عليهم اجمعين)، منتشرين في مختلف البلاد و الأرضين.
و ما يدريك من فضلهم ما لم تسمع من خطبهم على المنابر، أو تنظر الى كتبهم في المآثر، فكم من مساجد و محاريب كثيرة، قد نوّرت من افاداتهم و فيوضهم العطيرة، و كم من تآليف و تصانيف أثيرة، قد أضاءت الآفاق من علومها الغزيرة، فأمسوا في سماء الفضيلة نجوما و بدورا ساطعة، و أصبحوا في نهار العلم و الفقه شموسا طالعة.
فمهما كان سائغا على الوالد أن يفتخر بمثل هؤلاء الأولاد الأفذاذ فحقّ للسيد الجزائري أن يقول في أولاده أيضا، كما قال الفرزدق في آبائه فقط: