- و خلاصة الكلام فيه: أنه بناء على أن الإنسان هي النفس فلم لا يجوز أن يقال: إن النفوس مختلفة.
فبعضها تكون لذاتها قادرة على هذه الحوادث الغريبة التي تقع في العالم السفلي، و مطلعة على الأسرار الغائبة عنا فهذا الاحتمال مما لم يقم دليل على فساده، سوى الوجوه المتقدمة، و قد بان بطلانها.
و يؤيد ذلك وجوه أربعة.
(الأول): أن الجذع لو وضع على الأرض ترى الانسان يتمكن من المشي عليه بالطمأنينة و الوقار من غير اي خوف و ارتباك.
و أما اذا وضع هذا الجذع على ركيزين كالجسر و كان تحته هاوية تراه يخاف من المشي عليه، لاحتمال سقوطه في الهاوية التي تحته، و ليس ذلك إلا لاجل الوهم و التخيل الذي ارتكز في قوته المتخيلة. فكلما قوي ذلك أوجب خيال السقوط أكثر فاكثر.
(الثاني): أن الأطباء اجمعوا على نهي المرعوب عن النظر إلى الأشياء الحمر، و كذا المصروع عن النظر إلى الأشياء القوية اللمعان و الدوران و ما ذاك إلا لاجل أن النفوس خلقت مطيعة للأوهام.
(الثالث) قال الشيخ الرئيس في الشفاء نقلا عن (ارسطو) في طبائع الحيوان: إن الدجاجة اذا تشبهت كثيرا بالديك في الصوت، و في الجواب معه نبت على ساقيها مثل الشيء النابت على ساق الديك، و ما ذاك إلا لمتابعة الأحوال الجسمانية، للأحوال النفسانية.
(الرابع): أجمعت الأمم على أن الأدعية مظنة للاجابة، و أجمعوا أيضا على أن الدعاء اللساني الفارغ عن المطلب النفساني قليل البركة عديم الأثر فهذا دليل على أن للنفوس آثارا.