في أمره، وإما تقليداً للآباء والأجداد، أو تعصباً للأهواء والتراكمات، حيث يثير كل من الأمرين غباراً على الحقيقة، ويحيطها بضبابية تمنع من مصداقية الرؤية، وتفتح أبواب النقاش والجدل غير المنطقيين، بالوجه الذي لا يرضاه الإنسان بطبعه ـ وبما أودعه الله تعالى فيه من قوة مدركة ـ في غير موارد التعصب والتقليد.
وكل ذلك لا يجدي مع الله عزوجل، ولا يكون عذراً بين يديه، بعد أن أقام الدليل الكافي والحجة الواضحة على الحقيقة التي فرضها على عباده، وألزمهم به.
فلابد للعاقل الرشيد أن يحتاط لنفسه التي هي أحب الأنفس إليه، وأعزها عليه، ويتحفظ عليها من الهلكة الدائمة، والخلود في العذاب، بأن لا ينظر للأدلة في قضايا الدين بمنظار العاطفة والتقليد، بل بمنظار العقل والوجدان الذي أودعه الله تعالى فيه، واحتج به عليه، ويجهد جهده في الوصول للحقيقة التي فرضها الله سبحانه كيف كانت وأنى كانت، تسليماً لأمر الله عزوجل، وبخوعاً لحكمه، ليكون على بصيرة من أمره وعذر عند ربه، ملتجئاً إلى الله جل شأنه في أن يسدده في مسيرته، ويعصمه من الضلال، ويهديه إلى الصراط المستقيم، فإن بيده أسباب التوفيق والخذلان، قال تعالى: [وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَآئِرٌ وَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ][1]. وهو جل شأنه لا يبخل بالتوفيق على من أخلص له والتجأ إليه، وبذل وسعه في سبيل مرضاته. قال عز من قائل: [وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ][2].