تنقسم المعارف البشرية في رأي العقليين إلى طائفتين :
إحداهما معارف ضرورية أو بديهية . ونقصد بالضرورة هنا : أنّ النفس تضطرّ إلى الإذعان بقضية معيّنة من دون أن تطالب بدليل أو تُبرهن على صحّتها ، بل تجد من طبيعتها ضرورة الإيمان بها إيماناً غنياً عن كلّ بيّنة وإثبات ، كإيمانها ومعرفتها بالقضايا الآتية : (النفي والإثبات لا يصدقان معاً في شيء واحد) ، (الحادث لا يوجد من دون سبب) ، (الصفات المتضادّة لا تنسجم في موضوع واحد) ، (الكلّ أكبر من الجزء) ، (الواحد نصف الاثنين) .
والطائفة الأخرى معارف ومعلومات نظرية . فإنّ عدّة من القضايا لا تؤمن النفس بصحّتها إلاّ على ضوء معارف ومعلومات سابقة ، فيتوقّف صدور الحكم منها في تلك القضايا على عملية تفكير واستنباط للحقيقة من حقائق أسبق وأوضح منها ، كما في القضايا الآتية : (الأرض كروية) ، (الحركة سبب الحرارة) ، (التسلسل ممتنع) ، (الفلزات تتمدّد بالحرارة) ، (زوايا المثلّث تساوي قائمتين) ، (المادّة تتحوّل إلى طاقة) وما إلى ذلك من قضايا الفلسفة والعلوم . فإنّ هذه القضايا حين تُعرَض على النفس لا تحصل على حكم في شأنها إلاّ بعد مراجعة للمعلومات الأخرى . ولأجل ذلك فالمعارف النظرية مستندة إلى المعارف الأوّلية الضرورية ، فلو سُلِبت تلك المعارف الأوّلية من الذهن البشري لم يستطع التوصّل إلى معرفة نظرية مطلقاً ، كما سنوضِّح ذلك فيما بعد إن شاء الله .
فالمذهب العقلي يوضح أنّ الحجر الأساسي للعلم هو : المعلومات العقلية الأوّلية . وعلى ذلك الأساس تقوم البنيات الفوقية للفكر الإنساني التي تُسمَّى