ومشاعرهم ـ بصورة آلية ـ عن طريق المنبّهات الخارجية .
نعم ، إنّ الإنسان قد يكيّف أفكاره تكييفاً اختيارياً بالبيئة والمحيط ، كما نادت بذلك المدرسة الوظيفية في علم النفس تأثّراً بنظرية التطوّر عند (لامارك) في البيولوجيا ، فكما أنّ الكائن الحيّ يتكيّف عضوياً تبعاً لمحيطه ، كذلك الأمر في حياته الفكرية .
ولكنّا يجب أن نعلم :
أوّلاً : أنّ هذا التكيّف يوجد في الأفكار العملية التي وظيفتها تنظيم الحياة الخارجية ، ولا يمكن أن يوجد في الأفكار التأمّلية التي وظيفتها الكشف عن الواقع . فالمبادئ المنطقية ، أو الرياضية ، وغيرهما من الأفكار التأمّلية ، تنبع من العقل ، ولا تتكيّف بمقتضيات البيئة الاجتماعية ، وإلاّ لكان مصير ذلك إلى الشكّ الفلسفي المطلق في كلّ حقيقة ؛ إذ لو كانت الأفكار التأمّلية جميعاً تتكيّف بعوامل المحيط ، وتتغيّر تبعاً لها ، لم يؤمن على أيّ فكرة أو حقيقة من التغيّر والتبدّل .
ثانياً : أنّ تكيّف الأفكار العملية بمقتضيات البيئة وظروفها ليس آلياً ، بل هو تكيّف اختياري ، ينشأ من دوافع إرادية في الإنسان ، تسوقه إلى جعل النظام المنسجم مع محيطه وبيئته ، وبذلك يزول التعارض ـ تماماً ـ بين المدرسة الوظيفية ، والمدرسة الغرضية في علم النفس .
وسوف ندرس في (مجتمعنا) طبيعة هذا التكيّف وحدوده في ضوء مفاهيم الإسلام عن المجتمع والدولة ؛ لأنّه من القضايا الرئيسية في دراسة المجتمع وتحليله . وفي تلك الدراسة سنستوفي بتفصيل كلّ النواحي التي اختصرنا الحديث عنها في بحث الإدراك هذا .