أو عالجتها من الإدراك ؛ لتعدّد ما يتّصل بجوانبه المختلفة من علوم ، بل لتعدّد المدارس العلمية من العلم الواحد ، التي عالجت كلّ واحدة منها الإدراك بمنظارها الخاصّ . فهناك بحوث الفيزياء والكيمياء تدرس جانباً من جوانب الإدراك ، وهناك الفيزيولوجيا تأخذ بحظّها من الدراسة ، وهناك ـ أيضاً ـ السيكولوجيا بمختلف مدارسها : من المدرسة الاستبطانية ، والسلوكية ، والوظيفية ، وغيرها من مدارس علم النفس ، تتوفّر جميعاً على درس جوانب عديدة من الإدراك . ويجيء بعد ذلك كلّه دور علم النفس الفلسفي ؛ ليتناول الإدراك من ناحيته الخاصّة ، ويبحث عمّا إذا كان الإدراك في حقيقته حالة مادّية قائمة بالجهاز العصبي ، أو حالة روحية مجرّدة ؟
وفيما يلي نضع النقاط على الحروف في تلك النواحي المتشعّبة بالمقدار الذي ينير لنا طريقنا في البحث ، ويوضّح موقفنا من المادّية والماركسية .
الإدراك في مستوى الفيزياء والكيمياء :
تعالج بحوث الفيزياء والكيمياء في مستواها الخاصّ الأحداث الفيزيائية الكيميائية التي تواكب عمليات الإدراك في كثير من الأحايين ، كانعكاس الأشعّة الضوئية من المرئيات ، وتأثّر العين السليمة بتلك الاهتزازات الكهربائية المغناطيسية ، والتغيّرات الكيميائية التي تحدث بسبب ذلك ، وانعكاس الموجات الصوتية من المسموعات ، والذرّات الكيميائية الصادرة عن الأشياء ذات الرائحة ، والأشياء ذات الطعم ، وما إلى ذلك من منبّهات فيزيائية ، وتغيّرات كيميائية . فكلّ هذه الأحداث تقع في حدود اختصاص الفيزياء والكيمياء وفي مستوى نشاطهما العلمي .