لأنّه يجد نفسه إزاء وقائع فيزيائية لا يستطيع قياسها بدون أن يدخل فيها اضطراباً غير قابل للقياس . وبذلك يختلف موقفه تجاه هذه الوقائع عن موقفه في تجارب فيزياء العين المجرّدة ؛ لأنّه في تلك التجارب يستطيع أن يقوم بقياساته دون إجراء أيّ تعديل في الشيء المقاس ، وحتّى حينما يعدل فيه يكون هذا التعديل نفسه قابلاً للقياس . وأمّا في الميكروفيزياء ، فقد تكون دقّة الأداة وقوّتها بنفسها سبباً في فشلها ؛ إذ تُحدِث تغييراً في الموضوع الملاحظ ، فلا يمكن أن يُدرَس بصورة موضوعية مستقلّة . ولذلك يقول (جان لويس ديتوش) ـ فيما يتعلّق بجُسيم من الجُسيمات ـ : فبدلاً أن تكون شدّة النور هي ذات الأهمية ؛ إذ يصبح طول الموجة هو المهمّ . فكلّما أضأنا الجُسيم بموجة قصيرة ـ أي : بموجة ذات تواتر كبير ـ أصبحت حركته عرضة للاضطراب .
ومردّ السببين معاً إلى قصور وسائل التجربة والمشاهدة العلميّتين : إمّا عن ضبط الموضوع الملاحظ بجميع شروطه وظروفه المادّية ، وإمّا عن قياس التأثير الذي توجده التجربة نفسها فيه قياساً دقيقاً . وكلّ هذا إنّما يقرّر عدم إمكان الاطّلاع على النظام الحتمي الذي يتحكّم في الجُسيمات وحركاتها مثلاً ، وعدم إمكان التنبّؤ بمسلك هذه الجُسيمات تنبّؤاً مضبوطاً . ولا يبرهن ذلك على حرّيتها ، ولا يبرّر إدخال اللاحتمية إلى مجال المادّة ، وإسقاط قوانين العلّية من حساب الكون .