فقال عمر: بخّ بخّ! يا أبا الحسن! لقد أصبحت مولاي و مولى كلّ مؤمن و مؤمنة. فهذا تسليم و رضا و تحكيم، ثمّ بعد هذا غلب الهوى لحبّ الرئاسة، و حمل عمود الخلافة، و عقود البنود، و خفقان الهوى في قعقعة الرايات، و اشتباك ازدحام الخيول، و فتح الأمصار، سقاهم كأس الهوى فعادوا إلى الخلاف الأوّل؛ فنبذوه وراء ظهورهم، و اشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون.
قال شمس الدين سبط ابن الجوزي الحنفي في «تذكرة خواصّ الامّة» [1]:
اتّفق علماء السير أنّ قصّة الغدير كانت بعد رجوع النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) من حجّة الوداع في الثامن عشر من ذي الحجّة، جمع الصحابة و كانوا مائة و عشرين ألفا و قال: «من كنت مولاه فعليّ مولاه» ... الحديث.
نصّ (صلّى اللّه عليه و آله) على ذلك بصريح العبارة دون التلويح و الإشارة.
و ذكر أبو إسحاق الثعلبي في «تفسيره» باسناده: إنّ النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) لمّا قال ذلك طار في الأقطار، و شاع في البلاد و الأمصار- إلى أن قال- فقال:
فأمّا قوله: «من كنت مولاه» فقال علماء العربيّة: لفظ «المولى» ترد على وجوه؛ ثمّ ذكر من معاني المولى تسعة، فقال: و العاشر بمعنى الأولى: قال اللّه تعالى:
فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَ لا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ ثمّ طفق يبطل إرادة كلّ من المعاني المذكورة واحدا واحدا، فقال:
و المراد من الحديث، الطاعة المحضة المخصوصة، فتعيّن الوجه العاشر و هو:
الأولى، و معناه: من كنت أولى به من نفسه، فعليّ أولى به.
و قد صرّح بهذا المعنى الحافظ أبو الفرج يحيى بن سعيد الثقفيّ الأصبهانيّ في كتابه المسمّى ب «مرج البحرين» فإنّه روى هذا الحديث بإسناده إلى مشايخه، و قال فيه: فأخذ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) بيد عليّ (عليه السلام)، فقال: