ثمّ دعا لمن نصره و والاه، و لعن من خذله و لم يواله، ثمّ لم يقل هذا لأحد غيره، و لم يعيّن لخلافته رجلا سواه.
فهل يفهم أحد من رعيّته، و من حضر ذلك المجلس إلّا أنّه يريد بذلك استخلافه و تطميع الناس في نصره و محبّته، و حثّ الناس على إطاعته و قبول أمره، و نصرته على أهل عداوته؟
و بوجه آخر نقول: ظاهر قوله: من كنت ناصره فعليّ ناصره، يتمشّى منه النصرة لكلّ أحد، كما كان يتأتّى من النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) و لا يكون ذلك إلّا بالرئاسة العامّة.
إذ لا يخفى على منصف أنّه لا يحسن من أمير قويّ الأركان، كثير الأعوان، أن يقول في شأن بعض آحاد الرعايا: من كنت ناصره فهذا ناصره؛ فأمّا إذا استخلفه و أمّره على الناس فهذا في غاية الحسن، لأنّه جعله بحيث يمكن أن يكون ناصر من نصره.
و الحاصل أن المولى إذا كان بمعنى الناصر و المحبّ أيضا عند من كان ناصرا و محبّا لأمير المؤمنين (عليه السلام) و هو مولاه يثبت إمامته و خلافته؛ و من لم يكن ناصره و محبّه يظهر به عداوته و عدم إنصافه و جلافته.
المسلك الثالث: ما قاله الصدوق، من وجود القرينة في الكلام، على أنّ المراد بالمولى: الأولى
، و به يثبت أنّه الإمام، و هو العمدة في هذا المقام؛ و لا ينكره إلّا جاهل بأساليب الكلام، أو متجاهل لعصبيّته عمّا تتبادر إليه الأفهام قال الصدوق (رحمه اللّه) في كتاب «معاني الأخبار» بعد نقل الأخبار في معنى:
«من كنت مولاه فعليّ مولاه»:
نحن نستدلّ على أنّ النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) قد نصّ على عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) و استخلفه، و أوجب فرض طاعته على الخلق بالأخبار الصحيحة، و هي قسمان: