لعلمه سبحانه و تعالى بأصحاب النفوس المريضة، و كيدهم و مكائدهم، و ما سيزرعون من بذور الاختلاف و التفرقة لتحقيق مآربهم الخبيثة، و مصالحهم الدنيئة، و إن كان ثمن ذلك فرقة المسلمين و اختلافهم! فحقّا كان يوم الغدير عظيما، إذ اعلن فيه النبأ العظيم الّذي هم فيه مختلفون؛ إمّا على سواء الصراط قائمون، و إمّا عنه ناكبون.
بل لا تجد في تاريخ الإسلام يوما أكثر منه خطرا و اختلافا، فقد افترق بعده المسلمون، و صيّره البعض يوما على الإسلام و آل الرسول عظيما، بعد أن كان لهم يوما عظيما، و وضعوا الامّة الإسلاميّة أمام خطر التفرقة و الاختلاف؛ بل أصبحت كما قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله):
«ستفترق أمّتي على ثلاث و سبعين فرقة، كلّهم في النار إلّا واحدة».
و لعلّ ما تجدر الإشارة إليه أنّ هذا الاختلاف و الافتراق ليس بدعا في هذه الامّة الّتي كان أصلها واحدا فاختلفوا و تفرّقوا، بل إنّ الاختلاف- بمعناه العام- موجود مذ كان الناس أمّة واحدة، فبعث اللّه النبيّين مبشّرين و منذرين 1 فاختلفوا، فمنهم من آمن، و منهم من كفر، كما لم يكن النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) بدعا من الرسل، و كان الاختلاف بين الإسلام و الكفر موجودا منذ بزوغ فجر الرسالة المحمّديّة؛ إلّا أنّ هذا الاختلاف الجديد هو اختلاف في دائرة الإسلام من بعد ما جاءهم العلم و البيان من اللّه، و بالتحديد في خليفة رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) و وارثه، المنصوص عليه من اللّه تعالى للامّة الإسلاميّة، و الّذي هو- أي هذا الاختلاف و التفرّق- في حدّ الشرك باللّه، قال تعالى: وَ لا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ[1].
القرآن يذكّر إختلاف الامم في شئون الرسالة و يحرّمه:
و إليك- أخي القارئ- نصوصا قرآنيّة تبيّن تاريخ الاختلاف في عالم البشريّة: