فأمر رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله)- عند ما جاءته العصمة- مناديا ينادي في الناس بالصلاة جامعة، و يردّ من تقدّم منهم، و يحبس من تأخّر، و تنحّى عن يمين الطريق إلى جنب مسجد الغدير، أمره بذلك جبرئيل عن اللّه عزّ و جلّ، و كان في الموضع سلمات [1]، فأمر رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) أن يقمّ ما تحتهنّ، و ينصب له أحجار [2] كهيئة المنبر ليشرف على الناس، فتراجع الناس و احتبس أواخرهم في ذلك المكان لا يزالون؛
[خطبة الرسول (صلّى اللّه عليه و آله)] (*)
فقام رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) فوق تلك الأحجار، ثم حمد اللّه تعالى و أثنى عليه فقال: الحمد للّه الذي علا في توحّده، و دنا في تفرّده، و جلّ في سلطانه، و عظم في أركانه [3]، و أحاط بكلّ شيء علما و هو في مكانه [4]، و قهر جميع الخلق بقدرته و برهانه، مجيدا لم يزل، محمودا لا يزال، بارئ المسموكات [5]، و داحي المدحوّات [6]، و جبّار الأرضين و السماوات، قدّوس سبّوح ربّ الملائكة و الروح، متفضّل على جميع من برأه، متطوّل على جميع من أنشأه [7]، يلحظ كلّ عين، و العيون لا تراه، كريم حليم ذو أناة [8]، قد وسع كلّ شيء رحمته، و منّ عليهم بنعمته، لا يعجل بانتقامه، و لا يبادر إليهم بما استحقّوا من عذابه، قد فهم السرائر، و علم
* و تأتي خطبة الرسول يوم الغدير ح 301 عن كتاب الإقبال باختلاف و تقديم و تأخير، فلاحظ.
3 «قوله «عظم في أركانه» أي بسبب صفاته التي لجلاله بمنزلة الأركان، أو في العرش و الكرسيّ و السماوات و الأرضين الّتي هي أركان مخلوقاته، أو بسبب عزّة و منعته، أو جنوده الّتي تتبع قدرته الذاتيّة. و قال الفيروزآباديّ [القاموس المحيط: 4/ 229]: الركن بالضمّ الجانب الأقوى و الأمر العظيم و ما يقوّى به من ملك و جند و غيره و العزّ و المنعة» منه ره.
4 «و هو في مكانه أي في منزلته و رفعته. أي ليس علمه بالأشياء على وجه ينافي عظمته و تقدّسه بأن يدنو منها، أو يتمزّج بها، أو ترتسم صورها فيه» منه ره.
5 السمك: السقف، و سمك الشيء: رفعه، و المقصود هنا السماوات و ما فيها.