الأبيض و الأسود و الجنّ و الإنس و أعطاه الجزية و أسر المشركين و فداهم، ثمّ كلّف ما لم يكلّف أحد من الأنبياء و انزل عليه سيف من السماء، في غير غمد و قيل له: «قاتل فِي سَبِيلِ اللّٰهِ لٰا تُكَلَّفُ إِلّٰا نَفْسَكَ».
[الحديث الثاني]
2- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة بن مهران قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): قول اللّه عزّ و جلّ: فَاصْبِرْ كَمٰا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِفقال: نوح و إبراهيم و موسى و عيسى و محمّد (صلى اللّه عليه و آله) و عليهم، قلت: كيف صاروا اولي العزم؟ قال: لأنّ نوحا بعث بكتاب
قوله: (و أعطاه الجزية و أسر المشركين و فداهم)
(1) الجزية عبارة عن المال الّذي يقرره الحاكم على الكتابى اذا أقره على دينه و قدرها منوط بحكمه و هى فعلة من الجزاء كأنها جزت عن قتله و أسره. و الفداء بالكسر و المد و الفتح و بالقصر فكاك الاسير بالمال الّذي قرره الحاكم عليه يقال فداه يفديه فداء.
قوله: (ثم كلف ما لم يكلف أحد من الأنبياء)
(2) «ثم» هنا أيضا مثل ما مر لان هذا التكليف أعظم التكليفات و أشقها على النفوس البشرية و لا يصبر عليها الا من ايده اللّه تعالى بالنفس المقدسة و قد نقل أنه (ص) أقدم فى حرب حنين بعد انهزام أصحابه على أعدائهم الذين لم يعلم عددهم الا اللّه و أظهر اسمه الشريف فقال أنا محمد بن عبد اللّه. و هذا دل على كمال شجاعته (صلى اللّه عليه و آله).
قوله: (و انزل عليه سيف من السماء فى غير غمد)
(3) لعل اسمه ذو الفقار و هو عند الصاحب (ع) و كونه فى غير غمد تحريص له على القتال و اشارة الى أن سيفه ينبغى أن لا يغمد.
قوله: (و قيل له قاتل- الخ)
(4) قال القاضى «فَقٰاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ» ان تثبطوا و تركوك وحدك، لا يكلف الا فعل نفسك، لا يضرك مخالفتهم و تقاعدهم، فتقدم الى الجهاد ان لم يساعدك أحد فان اللّه ناصرك لا الجنود.
قوله: (فَاصْبِرْ)
(5) أمره بالصبر من المصائب و أذى القوم و مشاق التبليغ و التكاليف كَمٰا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ، سموا بذلك لان جدهم و صبرهم كان أعلى و أكمل و لعزيمة كل واحد نسخ شريعة من قبله. و ترك كتابه لا كفرا و لا انكارا لحقيقته، بل ايمانا به و بصلاحه فى وقت دون آخر و للنسخ مصالح يعلمها اللّه تعالى و العبد مأمور بالتسليم و كان من جملتها ابتلاء الخلق و اختبارهم فى ترك ما كانوا متمسكين به فى الدنيا و الدنيا دار الابتلاء و كل ما يجرى على الخلق فيها من الصحة و السقم و الغنى و الفقر و التكاليف و غيرها كان الغرض منه هو الابتلاء.