من التعرض للبلاء في الدّنيا و معاندة الأعداء في دولاتهم و مماظّتهم في غير تقيّة ترك أمر اللّه، فجاملوا الناس يسمن ذلك لكم عندهم و لا تعادوهم فتحملوهم على رقابكم فتذلّوا.
[الحديث الخامس]
5- عليّ بن إبراهيم، عن بعض أصحابه، عن مالك بن حصين السكونيّ قال: قال أبو عبد اللّه (عليه السلام): ما من عبد كظم غيظا إلّا زاده اللّه عزّ و جلّ عزّا في الدّنيا و الآخرة و قد قال اللّه عزّ و جلّ: وَ الْكٰاظِمِينَ الْغَيْظَ وَ الْعٰافِينَ عَنِ النّٰاسِ وَ اللّٰهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَو أثابه اللّه مكان غيظه ذلك.
[الحديث السادس]
6- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن إسماعيل بن مهران، عن سيف بن عميرة قال: حدّثني من سمع أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول: من كظم غيظا و لو شاء أن يمضيه أمضاه، أملأ اللّه قلبه يوم القيامة رضاه.
(و مماظتهم فى غير تقية ترك أمر اللّه)
(1) أى مشاردتهم و منازعتهم تقول ماظظت الرجل مماظة و مظاظا اذا شاردته و نازعته.
(فجاملوا الناس يسمن ذلك لكم عندهم)
(2) المجاملة بكظم الغيظ و اظهار الوداد و البشاشة و نحو ذلك. و السمن كثرة اللحم و الشحم سمن فلان يسمن من باب تعب و فى لغة من باب قرب اذا كثر لحمه و شحمه، و لعل المراد به هنا الشرافة و العظمة و فى بعض النسخ «يسمن اللّه ذلك- الى آخره» و يسمن حينئذ من باب الافعال او التفعيل أى يجعل اللّه ذلك عندهم شريفا عظيما تورث المحبة لكم
(و لا تعادوهم فتحملوهم على رقابكم فتذلوا)
(3) لان اظهار المعاداة و اجراء أحكام الغيظ و الغضب مع العجز عن المقاومة و الانتقام يورث ضررا عظيما و مذلة فاحشة و أما مع القدرة على الانتقام فالعفو أحسن لانه من صفات الكرام.
قوله: (أملا اللّه قلبه يوم القيامة رضاه)
(4) كناية عن كثرة افضاله و احسانه إليه فى ذلك اليوم فلا يرهقه قتر و لا ذلة [1].
[1] قوله «فلا يرهقه قتر و لا ذلة» أرى ان ما ذكره الامام (ع) يفيد معنى أدق و أعلى مما فسره به الشارح و بيان ذلك ان ملكات النفس و عقايدها و قواها تنقسم الى ما يبقى بعد الموت لعدم تعلقها بالبدن بوجه، و الى ما لا يبقى لتوقفها على الاعضاء الظاهرة فالاول كالايمان باللّه العظيم و اصول الدين و المعارف اذ ليس حاملها الحواس و الجوارح و كملكة التقوى أو الفجور و أمثال ذلك، و أما الثانى فكالعلوم الجزئية من حيث هى جزئية و المعانى المدركة بالواهمة و أمثالها فلا يبقى للنفس ما تدركه بهذا البصر من حيث هو مدرك بهذا البصر و لا المحبة و العداوة و الخوف الحاصلة بعد رؤية الولد و العدو كالانثى اذا شاهدت أولادها عرضت لها حالة تبعثها على العطف و التربية و الارضاع و لا يعرف الحيوان لها اسما و لا يتعقل مفهوما و انما يحصل له مصداق المحبة فقط. و كذلك الغنم اذ شاهدت ذئبا عرضت لها حالة تقتضى الفرار و النفرة و نسميها نحن معاشر البشر خوفا و لا يتصور الحيوان له مفهوما بل له المصداق و هو حالة بدنية متعلقة بالاعصاب و الدماغ يفقدها كل موجود ليس له عصب و دماغ و كذلك يعرض للانسان نظير هذه الحالات بقوته الموسومة بالواهمة هى مصاديق مفاهيم كالحسد و الغيظ و الغضب و هى أى مصاديقها متعلقة بالبدن و اعضائه و عصبه و دماغه و لكن للانسان عقلا يستطيع أن يعارض به هذه الحالة و يمنعها عن التأثير و الحيوان مقهور بالجرى على مقتضاها و لا مبدأ منع فيه عن ذلك و لذلك كلف الانسان و لم يكلف سائر الحيوانات و العقل مبدأ غير جسمانى قاهر على مقتضيات القوة الواهمة و لما كان مجردا غير متعلق بالبدن بقى فى البرزخ و عاد فى الآخرة و الغيظ مقتضى الواهمة و كظمه مقتضى العقل و يبعث يوم القيامة مع العقل و لوازمه من الرضا و الأمن و الايمان دون الغيظ. و اذا لم يكظم غيظه و جرى على مقتضاه كالحيوان أوجب ذلك له معاصى كثيرة اعقبت فى قلبه نفاقا و قسوة و ملكات يتأذى بها فى الآخرة و يتألم بها العقل المقهور فى الدنيا بلوازم الجهل و الهوى. (ش)