عبادة شرّة ثمّ تصير إلى فترة، فمن صارت شرّة عبادته إلى سنّتي فقد اهتدى و من خالف سنّتي فقد ضلّ و كان عمله في تباب أما إنّي اصلّي و أنام و أصوم و أفطر و أضحك و أبكي فمن رغب عن منهاجي و سنّتي فليس منّي. و قال: كفى بالموت موعظة، و كفى باليقين غنى، و كفى بالعبادة شغلا.
[الحديث الثاني]
2- عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن الحجّال، عن ثعلبة، قال:
اهتدى)
(1) الشرة وزان الشدة: الحدة و الرغبة و النشاط في العمل و الفترة بفتح الفاء الضعف و الكسل فيه و أصلها الانكسار، يقال فتر عن العمل فترة و فتورا اذا انكسر حدته، و لعل المراد أن للمبتدى في العبادة نشاطا تاما و إرادة حادة و رغبة كاملة تبعث النفس على الجد فيها و تحمل مشاقها فاذا دام ذلك يعترى النفس فتور و ضعف عن العبادة اما لملال الطبع و سآمته او لمنع من جهة الحق عز و جل يمتحن به العابد ليريه عجزه فلا يعجب بعمل نفسه بل يرى تمكنه من العمل بحسن توفيقه أو ليختبر ما عنده من الصدق فان هو سكن و لم يتألم لذلك فلا يردها عليه فانه لا يعرف قدرها و ان هو توجع و تضرع و جزع فردها إليه و زاده ثم بين حال الشرة بقوله «فمن صارت شرة عبادته الى سنتى» أى طريقتى و هى طريقة العدل و الاقتصاد و لم تتجاوز عنها فقد اهتدى لان طريق الاقتصاد قلما يعتريه الفتور و أما المتجاوز عنه فانه في معرض الفتور لسأمة النفس و ملالها غالبا كما يظهر من الباب الآتي. هذا الّذي ذكرنا على سبيل الاحتمال و اللّه أعلم بحقيقة الحال قال
(كفى بالموت موعظة)
(2) الموعظة هى الزاجرة عن الدنيا و الركون إليها و الداعية الى الآخرة و قرب الحق و أعظمها هو الموت اذ العاقل اذا تفكر فيه و في غمراته و ما يعقبه من أحوال البرزخ و القيامة و أهوالها و الحساب و العقاب و ما فعله بأهل الدنيا من قطع أيديهم عنها و اخراجهم منها طوعا أو كرها هانت عنده الدنيا و ما فيها و اجتهد في الطاعة و تحرز عن المعصية
(و كفى باليقين غنى)
(3) الغنى ما يغنى عن غير اللّه تعالى و يرفع الحاجة إليه و اليقين باللّه و باليوم الاخر و بحصول ما وعده اللّه من الجزاء و الارزاق أقوى ما يغنى عن غير اللّه سبحانه لانه نور موجب لوصول السالك الى الحق و اتصاله به اتصالا معنويا بحيث لا يشاهد غيره فضلا عن الاحتياج إليه
(و كفى بالعبادة شغلا)
(4) لان كل شغل غير العبادة فهو لهو و لعب يوجب البعد عنه تعالى و تنقطع ثمرته بخلاف العبادة فانها توجب قربه تعالى و تدوم ثمرته و فيه ترغيب في العبادة و هى مرتبة عظيمة لا يعطيها اللّه تعالى الا من يحبه ألا ترى أن اللّه تعالى حين أراد أن يلبس نبيه (ص) حلة الشرف و الكرامة نسب العبودية إليه فقال «أَنْزَلَ عَلىٰ عَبْدِهِ الْكِتٰابَ».