2- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، و عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، جميعا عن ابن محبوب، عن أبي محمّد الوابشي و إبراهيم بن مهزم، عن إسحاق بن عمّار قال: سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول: إنّ رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) صلّى بالناس الصبح، فنظر إلى شابّ في المسجد و هو يخفق و يهوى برأسه، مصفرّا لونه، قد نحف جسمه و غارت عيناه في رأسه. فقال له رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله): كيف أصبحت يا فلان؟ قال: أصبحت يا رسول اللّه موقنا، فعجب رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) من قوله و قال: إنّ لكلّ يقين حقيقة فما حقيقة يقينك؟ فقال: إنّ يقيني يا رسول اللّه هو الّذي أحزنني و أسهر ليلي و أظمأ هو اجري فعزفت نفسي عن الدّنيا و ما فيها حتّى كأنّي أنظر إلى عرش ربّي
و اتقوا الله الّذي إليه ترجعون و فيه وعد و وعيد جميعا و قد مر تفسير التقوى و بيان مراتبها.
قوله: (فنظر الى شاب في المسجد)
(1) يحتمل أن يكون حارثة بن مالك الانصارى الآتي
(و هو يخفق)
(2) أى يضرب أو ينام حتى يسقط ذقنه على صدره و هو قاعد. يقال: خفق برأسه اذا أخذته سنة من النعاس فمال رأسه دون سائر جسده و حينئذ
قوله: (و يهوى برأسه)
(3) كالتفسير له. و منشأ هذا و ما بعده من اصفرار اللون و نحافة الجسم و غور العينين قلة الاكل و كثرة السهر و الرياضة و العبادة و الحزن من امر الآخرة.
(فعجب رسول (صلى اللّه عليه و آله) من قوله)
(4) لانه أخبر بشيء نادر الوقوع موجب لحمده و استحسانه و الرضاء عنه، و التعجب انفعال النفس لزيادة و صف مدح أو ذم في المتعجب منه. و لما ادعى اليقين لنفسه تقاضاه (ص) بمصداقه أى ما يصدقه و طلب منه شواهد تشهد له بحقيقة دعواه، و قال
(ان لكل يقين حقيقة)
(5) أى لكل فرد من أفراده الشخصية كما يشعر به
قوله: (فما حقيقة يقينك)
(6) فان الاضافة تفيد الاختصاص و الجزئية أو لكل نوع من أنواعه و هى علم اليقين. و عين اليقين، و حق اليقين، و لعل المراد بحقيقة اليقين غايته التى ينتهى إليها و يستقر فيها و لها آثار شريفة و صفات لطيفة و أمارات منيفة دالة على حصولها و تحققها و السؤال وقع عن تلك الآثار فلذلك أجاب بها
(فقال: ان يقينى يا رسول اللّه هو الّذي احزننى)
(7) في أمر الآخرة أو بالم الفراق و شوق اللقاء
(و أسهر ليلى)
(8) بترك النوم مع التفكر و التضرع و العبادة
(و أظمأ هو اجرى)
(9) بالصيام، و ترك الشراب و الطعام، و نسبة الاسهار الى الليل و الاظماء الى الهواجر مجاز عقلى، و اظماء الهواجر كناية عن الصوم في حر النهار فان الصوم فيه أشق أو أفضل و ثوابه أكمل و أجزل
(فعزفت نفسى عن الدنيا و ما فيها)
(10) و من نعيمها و زهراتها و عزفت بسكون التاء أى عاقتها و كرهتها نفسى و انصرفت عنها و ضم التاء محتمل أى منعت نفسى و صرفتها عنها