و أجد المائدة قد رفعت، لعلّي لا أراها بين يديه. فاذا دخلت دعا بها فاصيب معه من الطعام و لا أتأذّي بذلك و إذا عقّبت بالطعام عند غيره لم أقدر على أن أقرّ و لم أنم من النفخة، فشكوت ذلك إليه و أخبرته بأنّي إذا أكلت عنده لم أتأذّ به، فقال: يا أبا سيّار! إنّك تأكل طعام قوم صالحين تصافحهم الملائكة على فرشهم قال: قلت و يظهرون لكم؟ قال: فمسح يده على بعض صبيانه، فقال: هم ألطف بصبياننا منّا بهم
[الحديث الثاني]
2- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمّد بن خالد، عن محمّد بن القاسم، عن الحسين بن أبي العلاء، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: قال: يا حسين- و ضرب بيده إلى مساور في البيت- مساور طال ما اتّكت عليها الملائكة و ربّما التقطنا من زغبها.
قوله (واجد المائدة)
(1) الواو للعطف أو الحال و لعل الاخير أنسب و أظهر لما فيه من الاشارة الى أنه كان يترقب رفعها لئلا يلجأ الى الاكل.
قوله (قال فمسح يده)
(2) أشار الى أن الملائكة يظهرون لهم على أبلغ وجه و المراد بالظهور هو الظهور عيانا و بالصورة الاصلية و غيرها.
قوله (و ضرب بيده الى مساور فى البيت)
(3) المساور جمع المسور بكسر الميم و هو متكأ من آدم و نحوه.
قوله (مساور طال)
(4) أى هذه مساور. و الزغب بتحريك المعجمتين الشعيرات الصغر على ريش الفراخ و صغار الشعر و الريش، و لينه أول ما يبدو منها و فيه دلالة على ما ذهب إليه بعض المحققين [1] من أن الملائكة أجسام لطيفة تتشكل بأشكال مختلفة.
[1] قوله «على ما ذهب إليه بعض المحققين» كلام الشارح يدل على وجود قائل بغير هذا القول أعنى كون الملائكة أجساما لطيفة يتشكل بأشكال مختلفة. و هذا يشتمل على ثلاثة قيود و المخالف لا بد أن ينكر أحدها بأن ينفى كونها أجساما أو يلتزم بأنها أجسام غير لطيفة أو لا يتشكل بأشكال مختلفة، و انى لا اعرف قائلا بذلك و الشارح أعلم بما قال و الحكماء القائلون بالعقول المجردة لا يخالفون فى تمثلهم بصورة جسمانية كما أن علماء الشريعة لا يلتزمون بأن الملائكة أجسام غير مدركة للكليات، و اعلم أن الملائكة من موجودات عالم الغيب لا من عالم الشهادة و لذلك لا يراهم الناس مطلقا الا الأنبياء و الاولياء و قد وقع الاصطلاح على أن يسمى ما يختص برؤيته بعض الناس جسما مثاليا و ما يتشارك فى رؤيته الجميع جسما ماديا و هذه قاعدة كلية فى تميز الجسم المثالى عن المادى و كذلك ما يراه الرجل فى وقت دون الاخر و الملائكة و الجن و الاجسام التى تتعلق بها النفوس و عالم البرزخ من القسم الاول و كذلك الروضة من رياض الجنة فى قبر المؤمن و الحفرة من حفر النيران فى قبر الكافر و غير ذلك، و مما ينبغى أن ينبه عليه الفرق بين الجسم المثالى المحقق فى الخارج و بين ما يتراءى للممرورين و المبرسمين من الخيالات التى لا تحقق لها الا فى ذهن الرائى و العلامة الفارقة بينهما أن كل ما يراه الرجل و لا يراه غيره ان كان مقرونا باخبار و اعلام يعلم الرائى قصور مقدرته عن ادراكها فهو جسم مثالى حقيقى له مبدأ خارج عن قوى الرائى و وهمه و خياله، مثلا اذا رأى صورة متمثلة اخبرته بأن حادثا سيقع فى المستقبل مثل أن زيدا يجيء غدا و عمرا يموت بعد غدو وقع ما أخبركما أخبر فهذه علامة أنه لم يكن من خيالاته و أوهامه لانه لا يقدر على أن يستنبط بنفسه ما يقع بعد ذلك اذ هو من علم الغيب فلا بد أن يكون مبدؤه خارجا عن ذهن الرائى و مثله اذا القى عليه مسئلة علمية يعلم قصور فكره عن فهمها بنفسه كعامى لا يعرف شبهة ابن كمونة اذا القى عليه دفع هذه الشبهة، ثم الفرق بين الجن و الملك و العلامة المائزة بينهما أن الملك يلقى على النفس الفضائل و العلوم الحقيقية الكلية و الخير و المستحسنات و الجن الامور الجزئية و الحيل الدنيوية و التدابير الجسمية و الشعر و الغزل و أمثال ذلك و لا يشتبه الامر قط اذ يلهم المكاشف الحقيقى و يعلم علما ضروريا لا يختلج بباله غيره أنه ملك فان بقى الشك له فالشك دليل عدم كونه ملكا لان الشك من الشيطان لا محالة. (ش)