الخير و الشرّ كلّها يعنى يهديهم إليها و العقل هو الحجّة بينه تعالى و بين العباد الموصلة لهم إلي تصديق نبيّه و الاذعان لكلّ ما أخبر به و في تغيير الاسلوب إشارة إلى ما بينهما من التفاوت في الظهور و الخفاء، الثالث أنّ النبىّ حجّة اللّه على عباده على سبيل التفضّل لقطع أعذارهم كما يشعر به لفظة «على» و العقل هو الحجّة الكافية في الحقيقة بينه و بين العباد و لو أبى عن الحقّ فانّما هو لسوء تدبيرهم و بطلان استعدادهم لأمر عرض له بمجاورة الأبدان لا لنقصان في ذاته، الرابع أنّ حجيّة النبيّ مختصّة باللّه سبحانه و من صنعه تعالى و ليس للعباد مدخل فيها كما يشعر به الإضافة و حجيّة العقل غير مختصّة به تعالى بينه و بين عباده و لهم مدخل فيها و ذلك لأنّ اللّه تعالى خلق العقل قابلا لجميع الكمالات البشريّة و من الظاهر أنّه لا يتّصف بالحجيّة حتّى يتّصف بالكمال في الجملة إذ هو في حيّز القوّة المحضة ليس حجّة و اتّصافه بالكمال بسعى العباد و طلبهم و حسن تدبيرهم فلهم مدخل في حجيّته.
الخامس بيان الاحتياج إلى الحجّتين و التغيير في الاسلوب إنّما هو لمجرّد التفنّن و المقصود أنّ حركة العبد نحو المقصود لا تحصل إلّا بدليل خارجي هو النبيّ و دليل داخليّ هو العقل أمّا الثاني فلأنّ الوصول إلى منازل القرب لا يتصوّر إلّا بالاتّصاف بالفضائل و التجرّد عن الرّذايل و ذلك لا يمكن إلّا بعد معرفة الفرق بينهما و مبدأ تلك المعرفة هو العقل و أمّا الأوّل فلأنّ العقل و إن كان مستقلا في بعض المعارف لكنّه غير مستقلّ في بعضها كأحوال المعاد و الشرائع الالهيّة مع تحقّق خطائه فيما يستقل كثيرا فاحتاجوا إلى النبيّ المؤيّد من عند اللّه تعالى ليهديهم إلى المطالب و المحاسن و يزجر عن الرّذايل و القبائح ليكونوا معه أقرب من الخير و أبعد من الشرّ.
[الحديث الثالث و العشرون]
«الاصل»
23- «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد مرسلا قال: قال أبو عبد اللّه (عليه السلام)» «دعامة الانسان العقل و العقل منه الفطنة و الفهم و الحفظ و العلم، و بالعقل يكمل»