«ضلّت الأوهام عن بلوغ كنهه، و ذهلت العقول أن تبلغ غاية نهايته» «لا يبلغه حدّ وهم، و لا يدركه نفاذ بصر، و هو السميع العليم، احتجّ على خلقه» «برسله، و أوضح الامور بدلائله، و ابتعث الرسل مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ*...، لِيَهْلِكَ مَنْ» «هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَ يَحْيىٰ مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ، و ليعقل العباد عن ربّهم ما جهلوه» «فيعرفوه بربوبيّته بعد ما أنكروه، و يوحّدوه بالالهيّة بعد ما أضدّوه، أحمده حمدا» «يشفي النفوس، و يبلغ رضاه، و يؤدي شكر ما وصل إلينا من سوابغ النعماء، و جزيل» «الآلاء، و جميل البلاء».
«الشرح»:
(ضلّت الأوهام عن بلوغ كنهه)
(1) إشارة إلى نفي الحدّ عنه لانّه تعالى ليس بمركّب و كلّ ما ليس بمركّب لا يمكن إدراك كنه حقيقته بالحدّ أمّا الصغرى فلانّ كلّ مركّب محتاج إلى الجزء الّذي هو غيره، و كل محتاج إلى الغير ممكن لأنّ ذاته بذاته من دون ملاحظة الغير لا يكون كافيا في وجوده و إن لم يكن فاعلا له خارجا عنه، و أمّا الكبرى فلأنّ إدراك كنه الحقيقة إنّما يكون من الحدّ المؤلف من أجزائها كما بيّن في موضعه و اللّه سبحانه منزّه عن أن يكون لكنهه أجزاء.
(و ذهلت العقول أن تبلغ غاية نهايته)
(2) يمكن أن يراد بالغاية المسافة و نهاية الشيء آخره، فالاضافة لاميّة و يمكن أن يراد بها النهاية. قال الجوهرى: «النهاية:
الغاية» فالاضافة بيانيّة. و إنّما لا تبلغ العقول غاية نهايته لأنّه لا نهاية له، إذ ليس له طبيعة امتداديّة تنتهى إلى حدّ و نهاية، و أيضا لا يطرأ عليه العدم، «فهذا الكلام مثل قول العرب «لا يرى بها ضبّ ينجحر» أي ليس بها ضبّ فضلا عن أنّه ينجحر، لا يقال: ذهول العقول عن البلوغ أي نسيانها عنه يشعر بامكان البلوغ في نفسه لأنّا نقول: الذّهول عن الشيء يستلزم عدم حصول ذلك الشيء و المراد هنا