لئن أبغضت منّي شيب رأسي، # فإنّي مبغض منك الشّبابا
يذمّ البيض من جزع مشيبي، # و دلّ البيض أوّل ما أشابا [1]
و كانت سكرة، فصحوت منها، # و أنجب من أبى ذاك الشّرابا
يميل بي الهوى طربا، و أنأى # و يجذبني الصّبا غزلا فآبى
و يمنعني العفاف كأنّ بيني # و بين مآربي منه هضابا
نصلت عن الصّبا و مصاحبيه، # و أبدلني الزّمان بهم صحابا
و لمّا جدّ جدّ البين فينا، # وهبت له الظّعائن و القبابا [2]
و ما روّعت من جزع جنانا؛ # و لا روّيت من دمع جنابا [3]
دعيني أطلب الدّنيا، فإنّي # أرى المسعود من رزق الطّلابا
و من أبقى لآجله حديثا، # و من عانى لعاجله اكتسابا
و ما المغبون إلاّ من دهته، # و لا مجدا و لا جدة أصابا [4]
فلا و اللّه أتركها خليّا # و لمّا أجنب الأسد الغضابا [5]
و أركبها محصّنة شبوبا؛ # تمانع غير فارسها الرّكابا [6]
إذا نهنهتها أرنت جماحا # إلى أملي، تجاذبني جذابا [7]
فإمّا أملأ الدّنيا علاء؛ # و إمّا أملأ الدّنيا مصابا
سجيّة من رعى الأيّام، حتى # أشاب جماجما منها، و شابا
و هل تشوي حقائق ألمعيّ، # إذا ما ظنّ أغرض أو أصابا [8]
[1] الجزع: العجز، الضعف-الدل: الدلال.
[2] الظعائن، جمع ظعينة: الهودج.
[3] الجنان: القلب.
[4] الجدة: الغنى.
[5] أجنب: أقود.
[6] المحصّنة: الممنّعة-الشبوب: الفرس تجوز رجلاه يديه.
[7] نهنهتها: كففتها-أرنت: نشطت-جماحا: استعصاء.
[8] تشوي، من أشوى: أشوى الرجل أي أصاب شواه لا مقتله، أي أصاب اليد أو الرجل، و أشوى السهم: أخطأ هدفه-الحقائق: الأمور اليقينة و الثابتة-الألمعي: الذكي-أغرض: أصاب الغرض.