لما عرفت في التبادر: من التغاير بين الموقوف و الموقوف عليه، بالإجمال و التفصيل أو الإضافة إلى المستعلم و العالم، فتأمل جيدا (1).
ثم إنّه قد ذكر الاطراد (2) و عدمه علامة للحقيقة و المجاز أيضا.
العلم التفصيلي بالوضع، و هذا المقدار من التغاير بين العلمين يكفي في رفع غائلة الدور، أو يقال: إن عدم صحة السلب عند أهل المحاورة علامة للوضع و الحقيقة عند المستعلم الجاهل بالوضع فلا دور في البين.
(1) لعله تدقيقي فقط لا غير، و يمكن أن يكون إشارة إلى عدم تمامية الاستدلال بعدم صحة السلب و صحة الحمل على ثبوت الوضع و ذلك لأن الحمل الذاتي لا يكشف إلّا عن اتحاد الموضوع و المحمول ذاتا، و لا نظر في ذلك إلى حال الاستعمال و أنه حقيقي أو مجازي و كذلك الأمر في الحمل الشائع الصناعي، فإن ملاك صحته اتحاد الموضوع و المحمول وجودا و مغايرتهما مفهوما، و هذا لا يكشف عن الحقيقة، لأنّ صحة الحمل في الحمل الشائع لا تكون أمارة إلّا على اتحاد المحمول و الموضوع خارجا، و أمّا إن استعمال اللفظ في المحمول على نحو الحقيقة فهي لا تدل عليه. مع إن الاستعمال أعم من الحقيقة.
[الاطراد من علامات الحقيقة]
(2) أي: قيل: إن الاطراد علامة للحقيقة و عدمه علامة للمجاز «أيضا» أي: كما أن التبادر و عدم صحة السلب من علامات الحقيقة، و عدمهما من علامات المجاز.
و قبل البحث لا بد من بيان ما هو المراد من الاطراد، و ذلك يتوقف على مقدمة و هي:
أن للاطراد إطلاقات:
الأول: بمعنى: كثرة استعمال لفظ في معنى من المعاني، فعدم الاطراد هو عدم كثرة الاستعمال.
الثاني: الاطراد، بمعنى: عدم تغيّر المعنى باختلاف المقام و الأحكام مثل: معنى لفظ الخبز مثلا، فيصح أن يقال: اشتريت خبزا، أو بعت خبزا أو رأيت خبزا، أو أكلت خبزا من دون تغير معناه، فعدم الاطراد مقابله أي: يتغير المعنى مثل «رقبة» فيصح أن يقال:
أعتق رقبة، و لا يصح أن يقال قالت: رقبة، أو نامت أو أكلت مع إن المراد منها صنف الإنسان و هو العبد.
الثالث: الاطراد بمعنى: شيوع استعمال اللفظ في المعنى من دون اختصاص بمقام.
و بعبارة أخرى: شيوع إطلاق لفظ في معنى بلحاظ خصوصية فيه. كاستعمال لفظ إنسان في أفراده بلحاظ كون كل فرد منه حيوانا ناطقا، و استعمال هيئة الفاعل في ذات قام به المبدأ، فالعالم من قام به العلم، و الضارب من قام به الضرب و هكذا، فيعلم من