لعلك تقول: (2) إذا كانت الإرادة التشريعية منه تعالى عين علمه بصلاح الفعل،
المعادن من حيث المالية، و الجهات الموجبة لتنافس الخلق، و تزاحمهم عليها مختلفة جدا، و متفاوتة جزما كذلك الناس، فإنهم في الأخلاق و الصفات متفاوتون كتفاوت المعادن، فلا دلالة في هذا الخبر على كون السعادة و الشقاوة ذاتيتين؛ بمعنى: العلة التامة كما هو قضية الجبر، و لو سلّمنا دلالة الخبر على كونهما ذاتيتين، فالمتيقن منه ذاتيتهما بنحو الاقتضاء لا العلية التامة. و من المعلوم: أن مجرد الاقتضاء لا يثبت الجبر.
فتلخص مما ذكرنا: عدم لزوم الجبر من ناحية ذاتية السعادة و الشقاوة.
و أما من ناحية الإرادة: فلا يلزم الجبر أيضا؛ لأن المراد بها هو علمه باشتمال فعل العبد الصادر عنه باختياره على المصلحة؛ لا مطلقا و لو صدر عنه قهرا، و من المعلوم: أنّ هذه الإرادة لا توجب الجبر.
و الحق في المقام أن يقال: إن الإرادة صفة كمال أودعها الله تعالى في الإنسان، و بهذه الصفة يتحقق الاختيار المعتبر في التكليف، فيحسن الثواب و العقاب. و أما كون إرادة العبد مسبوقة بإرادة الله تعالى فهو باطل؛ و ذلك لعدم تعلق الإرادة من الله تعالى بفعل العبد و لا بالترك، و إنما يكون من جانب الله هو الأمر و النهي.
فما يظهر منه من: كون الكفر و العصيان و الطاعة و الإيمان إجباريا فاسد؛ لأنه تعالى لا يريد تكوينا وجود شيء منها حتى يكون العبد مجبورا بها، و علمه تعالى بأن العبد يختار كذا لا يجبره عليه إذ العلم ليس علة للمعلوم، بل تابع له متأخر عنه رتبة. و من البديهي: أنّنا نجد في أنفسنا الاختيار، و أن حركاتنا ليست كحركة يد المرتعش.
(1) أي: قبل تقريب هذا الوهم ينبغي بيان أمرين:
الأول: كان الأولى على المصنف أن يذكر هذا الوهم قبل شبهة الجبر، لأن الوهم المزبور إشكال على العدلية القائلين باتحاد الطلب و الإرادة، و دليل على المغايرة.
الأمر الثاني: بيان ما يتولد منه هذا الوهم فنقول: إن الوهم المزبور تولد من لازم كلام العدلية في الردّ على الأشاعرة القائلين بالكلام النفسي؛ الذي يعبر عنه بالخبر النفسي في الأخبار، و بالطلب النفسي في الإنشاء؛ حيث جعلوه مدلولا للكلام اللفظي، فلازم كلام العدلية: بأنه ليس في النفس غير الإرادة ما يكون مدلولا للكلام اللفظي هو كون الإرادة مدلولة للطلب الإنشائي في الإنشاءات، و العلم في الإخبارات.
(2) نقول في تقريب الوهم الذي هو من أدلة القائلين بمغايرة الطلب و الإرادة.