و لا يخفى: أنّ عدّ بعضها من معانيه من اشتباه المصداق بالمفهوم (1).
و قد أنهاها بعض إلى خمسة عشر معنى منها: الحال نحو: «زيد أمره مستقيم» أي:
حاله منتظم. و منها: القدرة كما في قوله تعالى: مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ[1] أي: بقدرته.
و منها: الصنع كما في قوله تعالى: أَ تَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ[2] أي: من صنع الله تعالى.
و غيرها من المعاني تركنا ذكرها رعاية للاختصار.
(1) بعد ذكر المصنف للأمر معان عديدة استشكل على كون هذه المعاني كلها من معانيه، و ادعى أن عدّ بعضها من معانيه من باب اشتباه المصداق بالمفهوم.
توضيح ذلك يتوقف على مقدمة و هي: بيان الفرق بين المصداق و المفهوم. و خلاصته:
أن المصداق عبارة عما صدق عليه اللفظ؛ بأن يكون له معنى كلي مثل: رجل- مثلا- في قولنا: «جاءني رجل»؛ حيث يصدق لفظ الرجل على زيد و بكر و خالد، فزيد من مصاديق الرجل، و المفهوم عبارة عما يفهم من اللفظ، فمفهوم لفظ الرجل هو: الإنسان المذكر.
[التحقيق في معنى مادة الأمر]
إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم: أنه لو عدّ أحد زيدا من معاني الرجل كان خطأ؛ لأنه جعل المصداق مكان المفهوم، فيكون هذا من باب اشتباه المصداق بالمفهوم، و الأمر فيما نحن كذلك.
و خلاصة ما أفاده المصنف: أن الأمر مشترك لفظي بين الطلب و الشيء، و أنّ عد ما سواهما من معاني الأمر من اشتباه المصداق بالمفهوم بمعنى: أنه لم يستعمل في الموارد المذكورة في المفهوم، بل يراد منه ما هو مصداق المفهوم، فيتخيل أنه مستعمل في المفهوم، فإن لفظ الأمر في نحو: «جاء زيد لأمر كذا» لم يستعمل في مفهوم الغرض، بل استعمل فيما هو مصداق الغرض و اللام في «لأمر» قد دلت على الغرض نحو: اللام في قولك: ضربت زيدا للتأديب. و كذا إن الأمر في قولك: «وقع أمر كذا» لم يستعمل في مفهوم الحادثة، بل استعمل فيما هو مصداق الحادثة.
و هكذا الحال في قوله تعالى: فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا؛ فإن الأمر في الآية لم يستعمل في مفهوم الفعل العجيب، بل فيما هو مصداق الفعل العجيب و هو هلاك قوم لوط؛ لأن المراد هو الحادثة الخاصة، و الغرض الخاص و الفعل العجيب الخاص، و الشأن الخاص الجزئي، و هذه الأمور من مصاديق المفاهيم الكلية، و لا تكون من مفهوم لفظ الأمر،