و التحقيق (1) أن يقال: إن مثل الناطق ليس بفصل حقيقي، بل لازم ما هو الفصل و أظهر خواصه؛ و إنما يكون فصلا مشهوريا منطقيا يوضع مكانه إذا لم يعلم نفسه، بل لا يكاد يعلم، كما حقق في محله.
و لذا (2) ربما يجعل لأزمان مكانه إذا كانا متساوي النسبة إليه؛ كالحساس
(1) أي: و أن التحقيق في الجواب عن الشق الأول، و هذا إيراد من المصنف على الشريف بوجه آخر غير ما أورده الفصول عليه.
توضيح ذلك يتوقف على مقدمة و هي:
أن الفصل على قسمين:
أحدهما: هو الفصل الحقيقي. و ثانيهما: هو الفصل المشهوري. و الفرق بينهما: أن الأول: ما يكون ذاتيا للشيء و مبدأ لصورته النوعية التي بها شيئيته.
و الثاني: ما لا يكون ذاتيا للشيء، بل من أظهر خواصه، و لوازمه الحاكية عنه.
إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم: أن إشكال دخول العرض العام في الفصل إنما يلزم على تقدير كون الناطق فصلا حقيقيا، و ليس الأمر كذلك؛ بل هو لما كان من أظهر خواص الفصل الحقيقي سماه المنطقيون فصلا فيكون فصلا مشهوريا يوضع مكان الفصل الحقيقي. و عليه فلا بأس بأخذ مفهوم الشيء في مثل الناطق، إذ اللازم منه أخذ عرض عام في عرض خاص، و لا محذور فيه.
فالمتحصل: أن الناطق ليس فصلا حقيقيا حتى يلزم تقوّم الذاتي بالعرض من اعتبار مفهوم الشيء في مفهومه؛ بل هو فصل منطقي مشهوري، و لا يلزم من أخذ مفهوم الشيء في معنى الناطق إلّا دخول العرض العام في الخاصة لا بمعنى: دخوله في حقيقة الخاصة، ضرورة: مباينته للخاصة كمباينته للفصل، بل بمعنى: دلالة هيئة المشتق على العرض العام المقرون بالخاصة؛ كدلالة الماشي المستقيم القامة على المشي المقرون باستقامة القامة.
(2) أي: لأجل أن مثل الناطق ليس بفصل حقيقي، بل لازم ما هو الفصل الحقيقي ربما يجعل لأزمان مكان الفصل الحقيقي إذا كان كل من اللازمين متساوي النسبة بالنسبة إليه؛ كالحساس و المتحرك بالإرادة في تعريف الحيوان.
غرض المصنف من هذا الكلام: إقامة الشاهد على عدم فصلية ما يدعى كونه فصلا؛ و ذلك لامتناع أن يكون لشيء واحد فصلان أو جنسان في مرتبة واحدة، و عليه:
فلا يكون الحساس و المتحرك بالإرادة من الفصل الحقيقي للحيوان، بل من لوازمه لجواز تعدد اللازم لملزوم واحد.