ثم إنه لا يبعد (1) أن يراد بالمشتق في محل النزاع مطلق ما كان مفهومه و معناه
المبالغة، و اسم الزمان و اسم المكان و اسم الآلة معنى، و أخرجها عن محل الكلام و النزاع بزعم أن تلك المعاني اتفاقية، و قال في اسم المفعول: إنه قد يطلق و يتبادر منه ما يعم الحال و الماضي كقولك: «هذا مقتول زيد أو مصنوعه أو مكتوبه» و قد يختص بالحال نحو:
«هذا مملوك زيد ...» إلخ.
و الجواب: أن النزاع- كما تقدم- في مفاد الهيئة لا المادة و لا اتفاق في هذه الخمسة، و أما اسم المفعول: فالمقتول بمعنى: من أزهق روحه بسبب القتل، و المصنوع بمعنى: ما حدث فيه أثر الصنع، و المكتوب بمعنى: ما وجدت فيه الكتابة، فالمشتق إنما يصدق في هذه الأمثلة لأجل أعمية المبدأ مع الفعلي و الشأني، و الحرفة و الملكة و الصناعة و غيرها، فإن اختلاف أنحاء التلبس حسب تفاوت مبادئ المشتقات لا يوجب تفاوتا في المهم من محل النزاع كما في «الوصول إلى كفاية الأصول»، و أقرب هذه الاحتمالات هو الاحتمال الأول فتدبر.
[الفرق بين المشتق الأصولي و النحوي]
(1) غرضه من هذا الكلام: و إن كان بيان تعميم محل النزاع في المشتق الأصولي؛ حيث يعم بعض الجوامد عند النحاة، إلّا إن المستفاد منه أمور: منها: الفرق بين المشتق باصطلاح الأصوليين، و بينه باصطلاح النحاة؛ فإن النحاة يرون أن الزوجية و الحرية و الرقية من الجوامد، و الأصوليون يرونها من المشتقات؛ فإن المشتق باصطلاح الأصوليين هو مطلق ما كان مفهومه جاريا على الذات و محمولا عليها، و بملاحظة اتصافها بعرض كالسواد و البياض و نحوهما من الأعراض المتأصلة التي لها حظّ من الوجود و لو في ضمن المعروض.
«أو بعرضي» أي: كالفوقية و التحتية و الزوجية و نحو ذلك من الأمور الانتزاعية المحضة؛ التي ليس لها حظّ من الوجود إلّا لمنشا انتزاعها، بل هي أمور اعتبارية يعتبرها العقلاء أو الشارع.
و منها: أن النسبة بين مشتقات النحويين و الأصوليين هي عموم من وجه. و قد مر الكلام فيها فلا نعيد.
و منها: الفرق بين العرض و العرضي في كلام المصنف.
و ملخص الفرق: أن المراد بالأول: هو نفس المبدأ؛ كالسواد و البياض و نحوهما من الأمور المتأصلة التي لها نصيب من الوجود.
و المراد بالثاني: هو الأمر الانتزاعي على خلاف اصطلاح المنطقيين؛ فإن العرضي في اصطلاحهم هو: المشتق كالأسود و الأبيض.