و سمعت أنّ بعض علماء الإنشاء صنع مؤلّفا في أحكام الفواصل، و من ذلك أنّ المراد من علم الإنشاء البلاغة في المقاصد، و البلاغة هي أن يبلغ المتكلّم بعبارته كنه مراده مع إيجاز بلا إخلال، و إطالة من غير إملال، و الفصاحة خلوص الكلام من التعقيد، و قيل: البلاغة في المعاني و الفصاحة في الألفاظ، فيقال [2] معنى بليغ و لفظ فصيح [3] ؛ و الفصاحة خاصّة تقع في المفرد، يقال: كلمة فصيحة، و لا يقال: كلمة بليغة، و أنت تريد المفرد، فإنّه يقال للقصيدة [4] : «كلمة» ، كما قالوا: «كلمة لبيد» ، ففصاحة المفرد خلوصه من تنافر الحروف؛ و الفصاحة أعمّ من البلاغة، لأنّ الفصاحة تكون صفة للكلمة و الكلام [5] ، يقال كلمة فصيحة، و كلام فصيح؛ و البلاغة لا يوصف بها إلاّ الكلام [6] ، فيقال[كلام بليغ، و لا يقال كلمة بليغة، و اشتركا في وصف المتكلّم بهما فيقال: ] [7] متكلّم فصيح بليغ.
فمن الإنشاء الفصيح البليغ [8] [البديع] [9] قول الصاحب [10] ابن عبّاد، و قد قيل له: «ما أحسن السجع؟فقال [11] : ما خفّ على السمع، قيل [12] : مثل ما ذا؟قال:
مثل هذا» .
و منه ما كتب به عبد الحميد عند ظهور الخراسانيّة بشعار السواد: «فاثبتوا ريثما تنجلي به [13] هذه الغمرة [14] ، و تصحو هذه السكرة [15] ، فسينصبّ [16] السيل [17] ، و تمحى آية الليل» .