بالنسبة إلى كلا المعنيين و مرجعه إلى احتمال كون الشيء ممكنا ذاتيا أو وقوعيا بمعنى عدم علمنا بامتناعه بأحد الوجهين و يجوز كونه في الواقع ممتنعا لوجه لا نعلمه، و يحمل على هذا المعنى ما اشتهر حكايته عن ابن سينا من قوله: كلّ ما قرع سمعك من الأكوان و لم يذده قاطع البرهان فذره في بقعة الإمكان، يعني ضعه في حيّز الاحتمال و لا تردّه بمجرّد عدم البرهان عليه، و إلّا فلا معنى للحكم بالإمكان بمجرّد عدم العلم بوجه الامتناع و هذا واضح.
فالذي يمكن أن يكون محلا للنزاع في مسألتنا هو الإمكان الواقعي بأحد المعنيين أو كليهما، فالمثبت يقول أنا أعلم بعدم استحالة التعبّد بالظن ذاتا و أعلم بعدم قبحه من جهة نقض الغرض أو خلاف اللطف أو العبث أو غيره مما يدّعيه المنكر، و المنكر يجوز أن يدّعي العلم بالاستحالة بأحد الوجهين أو يدّعي عدم العلم بالإمكان الذي يدّعيه المثبت، و لو ادّعى المثبت الإمكان الاحتمالي فذلك لا يفيده شيئا، إذ مرجعه إلى التوقّف، لأنّ معناه أنّه لا يدري هل هو ممكن أو ممتنع مردّد في اعتقاده بينهما، هذا.
و يمكن أن يقال: إن إثبات الإمكان الاحتمالي أيضا يفيدنا، لأنّا و إن لم نحكم بالإمكان بمجرّد الاحتمال لكن لو فرض ورود دليل شرعي على ثبوت ما هو ممكن بهذا المعنى أي محتمل الوقوع نأخذ بذاك الدليل و نحكم بالإمكان ثم بالوقوع و لا نطرح ذلك الدليل، بخلاف ما إذا لم يكن ممكنا بهذا المعنى أي غير محتمل الوقوع في اعتقادنا فيجب طرح ذلك الدليل أو تأويله.