و كيف كان، فلا يجوز المسح على كلّ حائل يستر محلّ الفرض أو شيئاً منه (إلّا للتقيّة)، فيجوز حينئذٍ على الخفّ و نحوه (1).
(1) بلا خلاف أجده بين أصحابنا، بل في صريح المختلف الإجماع عليه [1]، و كذا غيره نصّاً و ظاهراً، بل هو محصّل عليه فضلًا عن المنقول: للأخبار التي كادت أن تكون متواترة في الأمر بها [بالتقيّة]، و أنّها دين آل بيت محمّد (عليهم السلام)[2]. بل أصل التقيّة من ضروريات مذهب الشيعة. و يدلّ عليه- مضافاً إلى ذلك، و إلى نفي الحرج في الدين و نحوه- خصوص خبر أبي الورد، قال:
قلت لأبي جعفر (عليه السلام): إنّ أبا ظبيان حدّثني أنّه رأى عليّاً (عليه السلام) أراق الماء ثمّ مسح على الخفّين، فقال: «كذب أبو ظبيان، أما بلغك قول عليّ (عليه السلام) فيكم: سبق الكتاب الخفّين؟ فقلت: هل فيهما رخصة؟ فقال: لا إلّا من عدوّ تتّقيه، أو ثلج تخاف على رجليك» [3].
و لا ينافيه ما في: 1- صحيح زرارة قال: قلت له: هل في المسح على الخفّين تقيّة؟ فقال: «ثلاثة لا أتّقي فيهنّ أحداً: شرب المسكر، و مسح الخفّين، و متعة الحجّ» 4. 2- كغيره من الأخبار كما في خبر أبي عمر الأعجمي قال: قال الصادق (عليه السلام): «يا أبا عمر إنّ تسعة أعشار الدين في التقيّة [و] لا دين لمن لا تقيّة له و التقيّة في كلّ شيء إلّا في النبيذ و المسح على الخفّين» [5].
3- و في خبر زرارة عن غير واحد قال: «قلت للباقر (عليه السلام): في المسح على الخفّين تقيّة؟ قال: «لا يتّقى في ثلاث، قلت: و ما هنّ؟
قال: شرب المسكر، و المسح على الخفّين، و متعة الحجّ» [6].
[و عدم المنافاة لأحد الوجوه التالية]: 1- إمّا لما زاد في آخره [في آخر صحيح زرارة] في الكافي: قال زرارة: «و لم يقل:
الواجب عليكم ألّا تتّقوا فيهنّ أحداً» 7، فإنّه كالصريح في أنّ زرارة فهم [أنّ] مراد الإمام (عليه السلام) أنّ ذلك حكم خاصّ به، و هو أدرى بتكليفه. 2- و إمّا لأنّ المراد بنفي التقيّة فيه مع المشقّة اليسيرة التي لا تبلغ إلى الخوف على النفس أو المال كما تأوّله الشيخ [8] بذلك. 3- أو لأنّ المراد: لا أتّقي أحداً في الفتوى بها؛ لأنّ ذلك معلوم من مذهبه [(عليه السلام)]، فلا وجه للتقيّة فيها.
4- و إمّا لأنّ هذه الثلاثة لا يقع الإنكار فيها من العامّة غالباً؛ لأنّهم لا ينكرون متعة الحجّ و حرمة المسكر و نزع الخفّ مع غسل الرجلين. و الغسل أولى منه [من المسح على الخفّين] عند انحصار الحال فيهما، على ما نصّ عليه بعضهم. 5- أو لأنّ المراد: أنّه لا تقيّة حيث لا ضرر؛ لأنّ مذهب عليّ (عليه السلام) فيه [في المسح على الخفّ] معروف عندهم. 6- أو لغير ذلك من الوجوه. و لذا [لعدم المنافاة بأحد الوجوه المتقدّمة] لم نعثر على عامل بهذه الرواية [أي صحيحة زرارة الدالّة على عدم التقيّة في المسح على الخفّين]، أو من استثنى ذلك [مسح الخفّين] من عمومات التقيّة.
نعم، قد يظهر من الهداية و الفقيه العمل بها لما فيهما: «أنّه روي عن العالم (عليه السلام) أنّه قال: «ثلاثة لا أتّقي» إلى آخره» [9].
مع أنّه في الفقيه ذكر ذلك بعد أن حكم بجواز المسح على الخفّ للتقيّة [10]. فلعلّ المراد ذكر الرواية على أحد الوجوه [المتقدّمة] لا العمل بها. فظهر أنّه لا ينبغي الإشكال في جوازه للتقيّة، و أنّ الرواية [أي صحيحة زرارة]- بعد ظهور انعقاد الإجماع من الأصحاب و العمومات، و خصوص خبر أبي الورد و غير ذلك- يجب تنزيلها على وجه من الوجوه [المتقدّمة].