ثمّ إنّ الظاهر الاجتزاء بهذا الغسل عن الوضوء بناءً على عدم مدخليّته في رفع [الحدث] الأكبر في نحو الحيض، بل و كذا بناءً عليه [على مدخليّته] أيضاً على تأمّل فيه، بل و في تحقّق مسمّى التداخل حينئذٍ عرفاً (1).
لكن الأقوى ما ذكرناه أوّلًا من عدم الحاجة للوضوء (2).
و لا فرق في ذلك بين القول بكون الغسل البارز للخارج عن الأسباب المتعدّدة مصداقاً لاسم كلّ واحد منها- كما يقتضيه القول بكون التداخل على وفق الأصل- و عدمه.
و إن كان الأقوى الثاني (3).
(1) لكونه في صورة متّحد [1] المسبب مع تعدّد الأسباب، فلعلّ أخبار التداخل حينئذٍ ممّا تشعر بعدمه، بل عدم الوضوء حتى للأصغر في سائر الأغسال، كما ستعرفه في محلّه.
(2) تمسّكاً بما يلوح من أخبار التداخل و بما دلّ على الاجتزاء بغسل الجنابة عنه.
(3) و ذلك لأنّ التحقيق- الذي لا مفرّ منه- أن يقال: إنّ التداخل الحقيقي ممتنع عقلًا؛ إذ لا يتصوّر جعل الشيئين شيئاً واحداً حقيقةً، و ما يطلق عليه الأصحاب أنّه تداخل فالمراد أنّه شبه التداخل من جهة الاجتزاء بواحد عن متعدّد، و بهذه المشابهة يمتاز [الاجتزاء] عن الإسقاط.
فحينئذٍ نقول: بعد أن علمت أنّ الظاهر تعدّد المأمور به بتعدّد الأمر و ما ذكره بعض المتأخّرين [2] من صدق الامتثال بالواحد عن الأوامر المتعدّدة كلام لا محصل له، مخالف لما عليه الأصحاب، و لذا احتاجوا إلى الدليل في الخروج عن ذلك، بل لا يكتفون بكلّ دليل كما يكتفى بذلك في قطع الاصول و نحوها، بل لا بدّ من دليل أقوى من ذلك الظهور، حتى نقل عن بعضهم عدم القول بالتداخل رأساً في المقام [3]؛ ترجيحاً لذلك [الظهور] على أخبار المقام.
لكن الأقوى خلافه؛ لكونها معتبرة الأسانيد منجبرة بالشهرة بل بالإجماع في بعض الصور، فحينئذٍ يجب الاقتصار على مدلول ذلك الدليل، لا يتعدّى منه.
و من المعلوم هنا أنّ الدليل لم يكشف عن أنّ المطلوب في المقام طبيعة الاغتسال، بل أقصى ما دلّ أنّه يجتزى بغسل واحد عن الجميع، و هو إن لم يكن ظاهراً في عدم ذلك لم يكن ظاهراً فيه، فلا يصدق حينئذٍ على المغتسل غسلًا واحداً بنيّة الجميع أنّه امتثال لتلك الأوامر.
نعم جعله الشارع بمنزلة ذلك، فهو غسل جنابة و حيض شرعاً لا عرفاً، بمعنى أنّه واحد اجتزئ به عن متعدّد شرعاً، و جعله الشارع بمنزلتهما، فيجتزئ به حينئذٍ عن الوضوء؛ لكونه بمنزلة غسل الجنابة، لا أنّه غسل جنابة حقيقة.