و ظهر لك (2) أنّها من الأفعال القلبية التي ليس للنطق فيها مدخلية (3). [فإنّها (تُفعل بالقلب)] [و يستحب التلفّظ بالنيّة إذا كان اللفظ أعون له على خلوص القصد].
(1) نعم، ربّما وقع في لسان بعض المتشرّعة إطلاقها على الإرادة مع القربة، بل هو مدار قولهم: «النيّة شرط في العبادات دون المعاملات»، و منه اشتبه بعض متأخّري المتأخّرين فادّعى أنّ لها معنى جديداً [1]، و هو واضح الفساد كما لا يخفى على من لاحظ كلمات الأصحاب في معناها و إطلاقها و استعمالاتهم و غير ذلك، فلا حاجة للإطالة. نعم، لمّا لم يكتفوا بمطلق القصد في صحّة العبادة، بل كان المعتبر قصداً خاصّاً- على ما ستعرف- جعلوا ذلك كلّه من متعلّقات النيّة، و لذا تراهم بعد ذكرها يذكرون كيفيّتها، فيشتبه على غير المتأمّل أنّه معناها عندهم.
(2) ممّا تقدّم من معنى النيّة.
(3) كما صرّح بذلك جماعة من الأصحاب منهم الشيخ في الخلاف و المصنّف [2] و العلّامة و الشهيدان [3] و غيرهم. و من هنا اعترض على المصنّف باستدراك قوله: (تفعل بالقلب) بعد ذكره أنّها إرادة.
و ربّما اجيب عنه: أنّه جيء به لإخراج إرادة اللّٰه عن مسمّى النيّة؛ لمكان كونها لا تفعل بالقلب، فيقال: أراد اللّٰه، و لا يقال:
نوى اللّٰه، بل في التنقيح: «لا يصدق على إرادة اللّٰه تعالى أنّها نيّة بالإجماع» [4].
قلت: و لعلّه لخصوص لفظ النيّة دون نحو «نوى». و إلّا فقد قال العلّامة في المنتهى: إنّه «يقال: نواك اللّٰه بخير، أي قصدك» [5]. و في الصحاح: نواك اللّٰه، أي صحبك في سفرك و حفظك، قال الشاعر:
يا عمرو أحسن نواك اللّٰه بالرشد * * * و اقرأ سلاماً على الذلفاء بالثمد [6]
و الأولى في الجواب أن يقال: إنّه ذكره المصنّف للرد على بعض الشافعية حيث أوجبوا اللفظ [8]، و هو- مع أنّه مجمع على بطلانه عندنا كما في كشف اللثام [9]- لا دليل عليه، بل لا دليل على الاستحباب أيضاً و إن ظهر من بعض الأصحاب.
و ما يقال من التعليل: بأنّ اللفظ أعون له [للإنسان] على خلوص القصد، أو أنّه زيادة مشقّة فيستتبع الثواب.
فيه ما لا يخفى، بل أقصى ما يفيده الأوّل الاستحباب العارضي لا الذاتي، و نحن نقول به بحسب اختلاف الناوين.