و الكلام المتقدّم هناك في اشتراط الامتزاج و إلقاء الكرّ و مسألة الدفعة و غير ذلك من المباحث قد تتأتّى هنا كلّها أو بعضها، فلا حاجة إلى الإعادة. و التطهّر بالجاري و ماء المطر على نحو ما تقدّم.
[زوال التغيير بغير إلقاء الكرّ]:
(و لا يطهر بزوال التغيير[1]من) قِبل (نفسه، و لا بتصفيق الرياح، و لا بوقوع أجسام طاهرة فيه تزيل التغيير عنه[2]) فضلًا عن الأجسام الساترة للتغيير أو المشكوك فيها أنّها من الساترة أو المزيلة. كلّ ذلك إذا لم يبقَ منه مقدار الكرّ، و إلّا فقد عرفت أنّه إذا بقي منه هذا المقدار ثمّ ازيل التغيير بأحد الأسباب المتقدّمة طهر بمجرّد زوال التغيير إن اكتفينا بمجرّد الاتّصال، و إلّا فبعد الامتزاج. و مثله لو بقي مقدار الكرّ ثمّ قوي بماء قليل حتى زال التغيير. و كذلك [يطهر] لو ازيل التغيير بأحد الأسباب المتقدّمة ثمّ القي عليه كرّ من خارج.
و الحاصل: أنّه لا يشترط زوال التغيير بما يطهَّر به من الماء (1).
(1) كما صرّح به بعضهم [3] من غير نقل خلاف فيه. و قول المصنّف و غيره: «حتى يزول التغيير» لا دلالة فيه على ذلك، بل المقصود منه أنّه إن كان زوال التغيير بإلقاء الكثير فليلق حتى يزول التغيير.
و لعلّ الاكتفاء بما ذكرنا:
1- لعموم مطهّرية الماء.
2- مع عدم ظهور اشتراط ذلك من أحد.
3- مضافاً إلى نصّهم على عدم حصول الطهارة بزوال التغيير من قِبل نفسه و نحوه من دون ملاقاة الكرّ، و لم يشر أحد منهم إلى اشتراط ذلك.
4- هذا، مع ما عرفت من أنّه مع الاتّحاد بالكرّ تتوجّه الملازمة المتقدّمة سابقاً. و لا ينافي ذلك ما تقدّم منّا سابقاً: من أنّ عمومات مطهّرية الماء مجملة بالنسبة إلى كيفية التطهّر؛ لكون المقام بالنسبة إلى هذا الشرط ليس محل شكّ.
5- بل قد يدّعى الإجماع على حصول الطهارة بإلقاء الكرّ دفعة مع الامتزاج و إن زال التغيير بغير الماء المطهّر، فتأمّل. و كيف كان، فلم ينقل عن أحد الخلاف في عدم الطهارة فيما ذكره المصنّف إلّا عن يحيى بن سعيد في الجامع [4]. و عن العلّامة في نهاية الإحكام [5] أنّه تردّد في حصول الطهارة بزوال التغيير من قِبل نفسه خاصّة. و في المنتهى نقل الخلاف فيه عن الشافعي و أحمد 6، و لم ينسبه لأحد من أصحابنا.
نعم، قال بعضهم: إنّه لازم لكلّ من قال بطهارة القليل بإتمامه كرّاً 7. و فيه نظر؛ إذ قد يكون مأخذ تلك المسألة الرواية السابقة التي ادّعي إجماع المؤالف و المخالف عليها، و هي قوله (صلى الله عليه و آله و سلم): «متى بلغ الماء قدر كرّ لم يحمل خبثاً» [8]، و عدم شمولها لمثل المقام ظاهر؛ إذ أقصى ما تفيده أنّ بلوغ الكرّية رافع و دافع، لكن ذلك لا ينافي القول بأنّه إذا تنجّس الكرّ بنجاسة- المعتبرة شرعاً- لا يطهر إلّا بإلقاء كرّ. و قد يكون المأخذ الإجماع المدّعى في ذلك المقام، و هو معلوم الانتفاء هنا.