فتحصّل من جميع ما ذكرنا: أنّ المقدار الثابت من بناء العقلاء، إنّما هو فيما إذا شكّ في أصل نقل اللّفظ من معنىً معلوم إلى غيره، أو فيما إذا كان للكلام ظهور فعلي في معنىً، و لكن يحتمل ظهوره قبلًا في معنىً آخر؛ و أمّا إذا علم النقل، و شكّ في كون الاستعمال بعد النقل أو قبله- بجميع صوره- فلم يثبت من العقلاء بناء في ذلك.
ذكر و تعقيب
بقي هناك كلامان من العَلَمين الحائري و العراقي 0، لا بأس بذكرهما و الإشارة إلى ما فيهما:
استدرك شيخنا العلّامة الحائري (قدس سره) في مبحث الحقيقة الشرعيّة- بعد ذكر الأقسام الثلاثة: من أنّه تارة يعلم تاريخ الاستعمال دون النقل، و اخرى بالعكس، و ثالثة يجهل كلاهما، و إشكال المثبتيّة في جريان أصالة عدم الاستعمال إلى ما بعد زمان الوضع- فقال: بأنّه إذا علم تاريخ الاستعمال، و جهل تاريخ النقل، يمكن إجراء أصالة عدم النقل إلى زمان الاستعمال، و لازمه وقوع الاستعمال في المعنى الأوّل و تأخّر النقل عن الاستعمال؛ لأنّ أصالة عدم النقل من الاصول العقلائيّة، و لم يكن بناء العقلاء في عدم النقل مخصوصاً بصورة الجهل بالنقل رأساً، بل يعمّ ما إذا علم إجمالًا بالتقدّم و شكّ في تاريخ؛ لظهور أنّ بناءهم على هذا من جهة أنّ الوضع السابق عندهم حجّة، فلا يرفعون اليد عنها إلّا بعد العلم بالوضع الثاني ... إلى آخره [1]
. و فيه أوّلًا: أنّ ما يكون حجّة عند العقلاء هو الظهور لا الوضع، و لا معنى لحجّيّة الوضع بما هو وضع، بل الظهور حجّة، فإذا كان الظهور عندهم حجّة فيمكن أن يقال: إنّ القضيّة متعاكسة، فإنّهم يأخذون بما يكون اللّفظ ظاهراً فيه فعلًا- و هو