الجمادات، فكيف ينكرها العاقل الذي له شعور و إدراك، لا تراها و لا تجدها إذا قيل:
«و اسأل أهل القرية».
و كذا ترى: اللطافة و البلاغة في قول الفرزدق- شاعر أهل البيت (عليهم السلام)- في مدح الإمام السجّاد (عليه السلام):
هذا الذي تَعرفُ البطحاءُ وطأتَهُ* * * و البيتُ يعرفُهُ و الحِلُّ و الحَرَمُ [1]
إلى آخر الأبيات؛ حيث يريد إثبات أنّه (عليه السلام) بمرتبة من الشهرة و المعروفيّة؛ بحيث تعرفه أرض بطحاء و بيت اللَّه الحرام و الحِلّ و الحرم، و هذا ما لا تراه إذا قيل: هذا الذي يعرفه أهل البطحاء و أهل البيت و أهل الحلّ و أهل الحرم.
و كذا في الاستعمالات التي يصرَّح فيها بنفي معنىً و إثبات معنىً آخر، كقوله تعالى: «ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ»[2]، و كقوله: «ليس هذا بوجه، بل هو بدر» ... إلى غير ذلك من العبائر، و ما ذكرناه هو جمل يسيرة من كلماتهم، و عليك بالتتبّع التامّ في حكم البلغاء و الفصحاء و عباراتهم، فإن كان لك ذوق سليم تُصدّق ما ذكرنا أحسن تصديق، و قد اقتبسنا ما ذكرناه من شيخنا العلّامة أبي المجد الأصفهاني (قدس سره) صاحب «وقاية الأذهان» [3]، و قد أتى (قدس سره) في هذا الميدان بما لا مزيد عليه، و أتى بأمرٍ بِكْرٍ، و صدّقه كلّ من عكف على كلامه أو على مقالته؛ بشرط أن يكون له ذوق و طبع سليم و ذهن مستقيم، و قد قال (قدس سره):
«إنّي لمّا ألقيت هذا المذهب على جماعة من الطلبة- كانوا يقرءون عليَّ كتاب «الفصول» في النجف الأشرف سنة 1316- لم يلبث حتّى اشتهر ذلك منّي في أندية العلم و مجالس البحث، فتلقّته الأذهان بالحكم بالفساد، و تناولته الألسن بالاستبعاد،
[1]- رجال الكشي 1: 343، المناقب 4: 169، شرح شواهد المغني للسيوطي 1: 14.