رتبته؛ و ذلك لأنّ المعلول موجود حين وجود علّته، و مع ذلك لا يكون في رتبتها.
و بالجملة: لا بدّ و أن يتصوّر أوّلًا متعلّق الطلب و حدوده، ثمّ يبعث الآمر نحوه، ف «من» و «إلى» الرابطتان لسير السائر من البصرة إلى الكوفة، يتصوّره الآمر أوّلًا، ثمّ يوجّه البعث نحوه، فهو مقدّم على الطلب، و لازم كون «من» و «إلى» إيجاديّة إنّما هو مقارنتهما مع الطلب، و لكن لا يدلّ ذلك على أنّهما في رتبة واحدة، فالمولى عند قوله:
«أطلب منك السير من البصرة إلى الكوفة»، أوجد الربط بين ألفاظ هذه الجملة بلفظة «من» و «إلى» قبل تعلّق الطلب و في الرتبة السابقة، و السير من البصرة إلى الكوفة متعلّق الطلب و حدوده، و لا يلزم من كون «من» و «إلى» إيجاديّة أن يقع في مفاد الطلب و رتبته؛ لأنّه اوجد الربط في الرتبة السابقة على الطلب، و مجرّد مقارنتهما بحسب الزمان لا يوجب ذلك ف «من» و «إلى» أوجدا المعنى في حدود المطلوب من دون أن يتحرّك من مرتبته و صُقع المطلوب إلى صُقع الطلب، فكأنّه قال: «السير من البصرة إلى الكوفة مطلوبي»، فتدبّر.
الإشكال الرابع:
حاصله: أنّ كلّ لفظ له مدلول بالذات، و هو المفهوم الذي يحضر في الذهن عند سماعه، و مدلول بالعَرَض، و هو الخارج عن الذهن، الذي يكون المفهوم الذاتي فانياً فيه، و الغرض من الوضع و تأليف الكلام و المحاورة هو المدلول بالعرض.
و على تقدير كون معاني الحروف إيجاديّة، يلزم أن لا يكون لها إلّا مدلول بالذات، فلا تكون لها دلالة يصحّ السكوت عليها.
و ذلك لأنّ كلّ كلام لا بدّ له من نسبة، بها يحصل الربط بين مفرداته، و حيث إنّ لمفردات الكلام معاني اسميّة إخطاريّة تكون لها مداليل بالذات، و هي مفهوماتها، و مداليل بالعرض، و هي الخارج عن الذهن الذي يفنى فيه ذلك المفهوم، و أمّا النسبة