الكوفة» على معنىً غير ما تدلّ عليه لفظة «السير»، كما لا تدلّ «الزاء» من «زيد» على جزء من ذات «زيد».
فواضح أنّه خلاف التبادر و الوجدان، و لا أظنّ أنّه (قدس سره) يلتزم به، بل لكلٍّ من «السير» و «الكوفة» و «البصرة» دلالة على معنىً غير ما يدلّ عليه الآخر؛ و ذلك لأنّ «سرت» له مادّة و هيئة، و مادّته تدلّ على المعنى الحدثي، و هيئته تدلّ على صدور الحدث عن الفاعل، و الهيئة معناها حرفيّ، و مع ذلك تحكي معنىً واقعيّاً، و هو صدور السير منّي، و كذا لم يكن لمجموع «من البصرة» دلالة واحدة على معنىً واحد، بل «البصرة» تدلّ على البلد المعروف، و ظاهر أنّه يفهم من اللّفظ أن السير كان مبتدأ من البصرة، و ليس له في العبارة ما يدلّ عليه سوى لفظة «من»، و كذا حال «إلى الكوفة».
و بالجملة: إنّ من الحروف- كلفظة «من» و «إلى»- ما يحكي عن ربط و معنىً واقعيّ و الارتباط في الحمل تابع للارتباط في الواقع، و لا يوجِد شيئاً.
و ما ذكره (قدس سره) خلاف المتبادر الذي هو الأساس في أمثال هذه المباحث، و خلاف ما يفهمه العرف و اللغة.
إشكالات و إيرادات
ثمّ إنّ المحقّق العراقي (قدس سره) أنكر كون معاني الحروف إيجاديّة، في قبال المحقّق النائيني (قدس سره) القائل بكون جميعها إيجاديّة، و أقام وجوهاً لامتناع إرادة الإيجاديّة منها، و حيث إنّا- كما أشرنا- نرى أنّ بعض الحروف إيجاديّة، فلا بدّ لنا من دفع الوجوه و الإشكالات، التي تمسّك بها لامتناع إرادة الإيجاديّة من الحروف:
الإشكال الأوّل:
حاصله: أنّ المعاني التي تتصوّرها النفس: إمّا تكون مرتبطة بعضها ببعض، أو