قوله تعالى: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها حين استفدنا من الآية الكريمة بقرينة ذيل الآية من أنّ اللَّه تبارك و تعالى لم يكلّف هذه الامّة و لا حتّى الامم السابقة بالامور التي يعتبرها العرف ممّا لا يطاق. إذن، فما تعارف عليه العرف بأنّه لا يطاق هو أيضاً خارج عن قاعدة نفي الحرج. و من هنا إذا أخرجنا هذه المسألة عن دائرة البحث ستواجهنا مسائل من نوعٍ آخر. هذه المسائل ليست ممتنعة، لا عقلًا، و لا عرفاً، لكن فيها مشقّة و كلفة شديدة، نعبّر عنها بالحرج. و سنبحث فيما بعد في دائرة الحرج سعة و ضيقاً، و سنناقش العناوين التي تطرّقت إليها الآيات و الروايات في هذا المجال إن شاء اللَّه، و نقايس فيما بينها من حيث كون هذه العناوين تدخل في دائرة واحدة، أو أنّ هناك ثمّة اختلاف و تباين فيما بينها. مجمل القول إنّ هذه القضايا غير ممتنعة، لا عقلًا، و لا عرفاً، بل فيها مشقّة شديدة، كما يشاهد ذلك في بعض التكاليف، و هذا ما يدخل في دائرة البحث ضمن قاعدة نفي الحرج.
الاستدلال بموارد التكليف بما لا يطاق
و هنا قد يتساءل البعض: هل بمقدورنا أن نستدلّ بالموارد التي تدخل ضمن عنوان التكليف بما لا يطاق على هذا القسم في البحث؟ و بذلك نعطي للمسألة بعداً عقلانياً. هذه المسألة ليست مسألة عقلية، و إنّما هي تعبديّة. و الدليل على ذلك أن الامم السابقة كان فيها هذا اللون من التكاليف الحرجيّة، و الآية الشريفة تنصّ على ذلك حين تقول: وَ لا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا.
من التكاليف التي كانت واجبة عليهم، في حين أنّ هذه التكاليف قد رفعت عن هذه الامّة، إذن، فما يمتنع عادة و عرفاً خارج عن دائرة بحثنا هذا.