الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ» و لكن آية نفي الحرج هذه التي استشهد بها الإمام (عليه السلام) يصعب التوفيق بينها و بين المعنى الذي حملنا السؤال عليه، فإنّ ذلك سيؤدّي بنا إلى القول بأنّ آية: ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ و التي يفترض أن تكون محصورة في دائرة الأحكام الإلزامية لا تتناسب مع هذا المعنى، لأنّ المستحب يتضمّن جواز المخالفة، كما أنّ المكروه في ذاته يتضمّن جواز الارتكاب، و بالتالي فإنّ هذه الأحكام الشرعية لا تتناسب مع آية الحرج. أقول: إذا أخذنا بهذا المعنى للرواية، فإنّ الآية ستكون لها مدخليّة في ما يخصّ المستحبات و المكروهات، و لكن التزام هذا المعنى أولى من أن نحمل السؤال على أنّه وارد في خصوص انفعال ماء الكرّ و عدم انفعاله، و من ثمَّ أفضل من القول بأنّ استشهاد الإمام (عليه السلام) بالآية الشريفة: ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ هو من باب أنّ ماء الكرّ لو تنجّس بملاقاة النجاسة لاستلزم الحرج و المشقّة، و لذا جعل اللَّه سبحانه و تعالى الماء الكرّ لا ينجس بملاقاة النجاسة. إنّ هذا الفهم للرواية و للآية يغاير ما نُريد أن نستفيده من قاعدة لا حرج فيما بعد، لأنّنا نريد فيما بعد أن نستفيد من قاعدة لا حرج مقابل الإطلاقات التي تثبت حكماً ما، و ظاهر هذه الإطلاقات أنّها تثبت الحكم سواء في الموارد غير الحرجيّة، أو في موارد الحرج، إلّا أنّ قاعدة (لا حرج) تدخل كدليل حاكم و مبيّن تقول: إنّ هذا الدليل و إن كان يثبت الحكم في موارد الحرج، إلّا أنّه لا توجد إرادة جدّية على ذلك، فالدليل المطلق يشمل مورد الحرج، أمّا وظيفة قاعدة الحرج تحديد الدليل، و بالتالي تحديد دائرة الحكم، و من هنا فمن الأفضل أن نحمل الرواية على ذلك المعنى.
الرّواية [الرابعة رواية محمد بن أبي نصر]
الثّالثة نتطرّق إلى رواية أخرى و هي آخر رواية في هذا الباب، و فيها جانب إضمار