و هنا قد يقال: هل إنّ ظاهر الآية يفيد الاحتمال الأوّل، و بذلك تكون الآية من أدلّة نفي الحرج، أو أنّ ظاهرها يدلّ على الاحتمال الثاني فتخرج الآية عن إطار بحثنا هذا؟ لقائل أن يقول: إنّ الآية فيها إجمال من جهة متعلّق التعليل، فلا يمكن استظهار عود التعليل إلى التيمّم فقط ليصحّ الاستدلال بالآية الشّريفة. و التحقيق أنّه بالإمكان العثور على ما يرجّح الاحتمال الأوّل. لأنّ اللَّه سبحانه و تعالى ذكر في باب الغسل: إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا، فعبّر عن الغسل بالتطهير.
و علاقة الوضوء و الغسل بالتطهير علاقة واضحة، خاصّةً و أنّ التطهير يتضمّن طهارة الجسم أيضاً، إذن الماء مطهّر، و هذا معلوم و مفروغ عنه، أمّا بالنسبة للصعيد- سواء كان المراد منه التراب الخالص، أو مطلق وجه الأرض- [هذا ينبغي أن نبحثه في التيمم]، فهو ما لا يستأنس به، إذ لا علاقة للتمسّح بالتراب بالطهارة، بل يمكن اعتبارها ضدّ الطّهارة، و أنّها عمليّة مشفوعة بالقذارة. هنا احتمل [و لا أقول أقطع] أنّ قوله: وَ لكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ يتعلّق بنفس التيمّم خاصّة، أي أنّ اللَّه سبحانه و تعالى في صدد الإجابة على الاستفهام الذي قد يتبادر إلى الذهن عن طبيعة الأمر بالتيمّم و علاقة التراب بالطهارة، فيقول:
يطهّركم به. و بناءً على ذلك يستبعد أن يكون قوله تعالى: يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ عائداً على قوله فيما سبق فَاطَّهَّرُوا في باب الغسل و في باب الوضوء، و هذا يؤيّد أن يكون قوله: يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ إنّما هو في خصوص التيمّم. فاللَّه عزّ و جلّ يريد أن ينبّه الإنسان إلى أنّ مسألة التيمّم لا تتلخّص بالصورة الظاهريّة للتيمّم، بل يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ بذلك.