إن القرآن الذي فيه بيان كلّ شيء لا بدَّ و أن يبيّن بعضه بعضاً [1]. أي من خلال التمعّن في الآيات مجتمعه، و من خلال التوفيق و الملائمة فيما بينها، يتّضح لنا المعنى بصورة كاملة. فإبراهيم (عليه السلام) يقول: إنّ الرسول منهم، و أنّهم من ذرية إبراهيم و إسماعيل، يعني إنّ الرسول (صلى الله عليه و آله) من ذريّة إبراهيم و إسماعيل، و الامّة كذلك من ذريّة إبراهيم و إسماعيل. أي: ابعث فيهم رسولًا بينهم ممّن يتّصف بمقام الإمامة، و اعطه ميزة اخرى و هي ميزة الرسالة و النّبوة، فميزة النّبوة تختص بأحدهم، و أمّا ميزة الإمامة فتتعلّق بهم جميعاً، فالرسول الأكرم محمّد (صلى الله عليه و آله) بالإضافة إلى اختصاصه بمنصب الرسالة فإنّه يختصّ أيضاً بالإمامة، فالرسول (صلى الله عليه و آله) تتوفّر لديه كلتا الجهتين:
الإمامة و الرسالة وَ ابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ، و ضمير الجمع للغائب [هم] يدل على قوله وَ مِنْ ذُرِّيَّتِنا بقرينة الآية السابقة. هنا يعترضنا السّؤال التالي: ما هو الدّور الذي يؤدّيه الرسول في هذه الامّة المسلمة؟ الجواب: أنّ دور الرسول الأكرم (صلى الله عليه و آله) هو دور المعلّم و المربّي و المزكّي، و هؤلاء تلامذة الرسول (صلى الله عليه و آله) يَتْلُوا عَلَيْهِمْ على الامّة المسلمة آياتِكَ وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ يُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.
حلّ التعارض الظاهري بين الآيات
هنا قد يثبّ إلى الأذهان هذا السؤال و هو: أنّ التعبير بقوله: يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ قد ورد بنفسه و من دون تغيير في آية اخرى مطلعها قوله تعالى: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ