وَ فِي هذا... و كما قلت فإن بحثنا معنى تفسيري و يرتبط أيضاً بمسألة الإمامة و بعلم الإمام، و من جانب آخر له علاقة بقاعدة لا حرج الّتي هي محل بحثنا بالأساس، و بما أنّ هذه الآية الكريمة بالذات هي من أهمّ الآيات التي يستدلّ بها على قاعدة لا حرج- فلذلك يجب أنْ تدرس و تناقش بدقّة...
[آية أخرى تساعد في فهم هذه الآية و هي قوله تعالى وَ إِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ]
الآية الثانية:
يقول اللَّه تعالى: وَ إِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَ إِسْماعِيلُ[1] بناءً على الشواهد التأريخية فإنّ إبراهيم (عليه السلام) هو الذي بنى الكعبة و ساعده في ذلك إسماعيل (عليه السلام) و خلال عملية البناء يرفعان أيديهما و يدعوان اللَّه بعدّة دعوات: رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. و من هنا يتّضح لنا إنّهما إنّما قاما بهذا العمل بأمر من اللَّه تعالى، و تزامناً مع امتثالهما لأمر اللَّه رفعا أيديهما بالدعاء بأن يتقبّل منهما ذلك. الدعاء الثّاني الذي دعوا به هو: رَبَّنا وَ اجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ[2] هذا الدعاء يحتاج إلى وقفة و تأمّل، و استعراض الظروف التي كانت تحيط بالنبي إبراهيم (عليه السلام) عند دعائه بهذا الدعاء، ففي ذلك الوقت كان إبراهيم (عليه السلام) يمتاز بمقام النّبوة و بمقام الإمامة أيضاً نظراً لمقتضى الآية الكريمة: وَ إِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً[3]، و بحسب الرّوايات و القرائن فإنّ أهمّ الكلمات التي ابتلى اللَّه بها إبراهيم (عليه السلام) هو ذبح إسماعيل (عليه السلام) و تقديمه قرباناً، و في الحقيقة فإنّ ذبح إسماعيل من الابتلاءات التي لم يسبق لها مثيل، كما أنّها لا مثيل لها في اللاحق أيضاً،