أو الوضوء بذاته غير مجعول من قبل اللَّه، و بغضّ النظر عن أنّ الوضوء يتضمّن حقيقة شرعيّة، فإنّ مواضع أفعال المكلّف ليست من المجعولات الشرعيّة. فليس بمقدورنا أن نقول بأنّ اللَّه تبارك و تعالى جعل الوضوء، ثمّ نفسّر جعل الوضوء بمعنى أنّه أوجب الوضوء. و الصحيح أن اللَّه جعل وجوب الوضوء، و لذلك نرى أنهم يعبّرون عن الأحكام التكليفيّة بالمجعولات الشرعيّة. ففي شرب الخمر هل من الصحيح أن نقول: جعل شرب الخمر؟ قد يقال: إنّ الجعل في الواجبات التي ليس لها أيّة حقيقة شرعية يستعمل كذلك، فهل من الصحيح أن نقول: إنّ الشارع جعل ردّ السّلام، أو أنّ الصّحيح هو أنّ الشّارع جعل وجوب ردّ السلام، فمجعول الشارع هو وجوب ردّ السلام لا ردّ السلام بذاته، ردّ السلام فعل للمكلّف، و هو أمر تكليفي و حقيقة خارجية. أمّا ما يتعلّق بالشارع بما أنّه جاعل فهو الحكم المتعلّق بردّ السلام، أي وجوب ردّ السلام. إذن، لا معنى لأن نعلّق الجعل على الوضوء فنقول: جعل الوضوء، و من ثمّ نقول: جعل الوضوء يعني وجوب الوضوء. فالأحكام التكليفيّة هي المجعولة شرعاً، و أمّا متعلّقاتها فليست مجعولة. و السبب في إثارتنا لهذه النقطة التي هي خارجة عن دائرة بحثنا هو أنّهم قالوا:
لا بدّ من تشخيص موارد الحرج في الخارج، فالوضوء بالماء البارد في فصل الشتاء ممّا يستدعي الحرج، و بناءً على ذلك فسّروا قوله تعالى: وَ ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ بمعنى ما أوجب اللَّه من فعل حرجي. و في مقام الردّ على هذا المعنى نقول: ليكن الوضوء بالماء البارد أمراً حرجيّاً، فما علاقة ذلك بي كمكلّف إذا لم يكن الوضوء واجباً، و كلمة «عَلَيْكُمْ» التي وردت في الآية الكريمة توحي أنّ الأمر مرتبط بالمكلّف، و أمّا الوضوء فما لم يكن حكماً