مع الحكمة. فالمستفاد من هذا الكلام- بملاحظة إرجاع الضمائر إلى العرب- أنّ المراد من «ذُرِّيَّتِنا» عموم العرب، و فيه أنّه لا ينتهي نسب جميع طوائف العرب إلى ذريّة إبراهيم و إسماعيل، و يزيد الإشكال بملاحظة ورود لفظة «مِنْ» الدالّة على التبعيض. أمّا قوله تعالى: مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ فالأب هنا إمّا إنّ يكون على الحقيقة، حيث أن العرب من ذريّة إبراهيم، أو بحملها على المجاز إذا قصد جميع المسلمين، فيكون بمعنى المربّي و المعلّم كما يقول المعلّم لتلميذه: يا بنيّ.
التّحقيق في المراد من الآية الكريمة
هنا نواجه عدّة عقبات لا تساعد على الأخذ بالتفسير المتقدّم، فإنّ ذيل الآية الكريمة يرشدنا إلى أنّ المخاطب في الآية الشريفة ليس عامّة النّاس، و لا عامّة المكلّفين، لأنّ الآية تقول: لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَ تَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ فيتّضح أنّ النّاس ليسوا هم المخاطبين. هنا توجد ثلاثة عناوين: أحدها: هم المخاطبون في عَلَيْكُمْ، و العنوان الآخر: هو رسول اللَّه، و هناك عنوان ثالث: وهم النّاس في قوله تعالى:.... شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ. تقول الآية: لِيَكُونَ الرَّسُولُ هذا هو العنوان الأوّل- شَهِيداً عَلَيْكُمْ هو العنوان الثّاني و هم المخاطبون، و من ثمَّ تقول الآية وَ تَكُونُوا أي أنتم المخاطبين شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ. إذن النّاس عنوان آخر غير المخاطبين و هو العنوان الثالث. و هنا يأتي هذا السّؤال: من هو المخاطب في الآية الكريمة: ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ؟ هل هم عامّة النّاس، أو أنّهم المخاطبون خاصّة،