التحير و عدم إمكان رفعه، و على هذا لا وجه لإتعاب النفس في ملاحظة النسبة بين الأخبار الدالة على التخيير و سائر الأخبار الواردة في حكم المتعارضين، لأنه مع استقرار التحير و عدم إمكان رفعه عرفا يثبت التخيير، سواء كان عقلائيا أو شرعيا، و سواء كان في زمان الحضور أو زمان الغيبة. و مع عدم استقراره و إمكان رفعه عرفا لا موضوع له أصلا، بلا فرق بين الزمانين، و لا بين كونه عقلائيا أو شرعيا.
الثاني: [التخيير لا يكون إلّا بعد الفحص عن المرجحات و الياس عنها]
لا موضوع للتخيير مطلقا إلا بعد الفحص عن المرجحات و اليأس عنها، لأن موضوعه إنما هو قبح الترجيح بلا مرجح، فمع وجوده أو احتماله لا موضوع له لا عقلا و لا شرعا.
الثالث: [اختصاص موضوع التخيير بالمجتهد]
موضوع هذا التخيير- سواء كان عقلائيا أو شرعيا- إنما هو في أخذ الحجة أي المسألة الاصولية، فيختص بالمجتهد، إذ العامي بمعزل عن ذلك، و لا يكون استمراريا، لأنه بعد الأخذ بأحدهما يصير ذا حجة معتبرة فلا يبقى موضوع للتخيير حينئذ، كما لا وجه لاستصحاب التخيير بعد صيرورته ذا حجة معتبرة.
الرابع: [الجواب عما يتوهم من حمل اخبار الترجيح على الاستحباب و الاخذ باطلاق اخبار التخيير]
بعد كون موضوع التخيير مطلقا- إنما هو صورة فقد المرجح- لا وجه لتوهم حمل أخبار الترجيح على الاستحباب، و الأخذ بإطلاق أخبار التخيير، لأنه من إثبات الإطلاق في ما لا موضوع له، و هو قبيح. نعم، يمكن أن يقال: إن مجرد الوثوق بالصدور في كل واحد من المتعارضين يكفي في الحجية، لإطلاق أدلة اعتبار الخبر الموثوق به و إطلاق السيرة العقلائية، فيتحقق موضوع التخيير بمجرد الحجة الاقتضائية و إعمال المرجحات إن كان لزيادة الوثوق فلا دليل على أصل اعتباره، لفرض حصول أصل الوثوق في الجملة. و إن كان لجهة اخرى فهي مدفوعة بالأصل. و لعل نظر من حمل المرجحات على الندب إلى ذلك و إن كان بعيدا عن ظاهر كلماتهم، و لم أجد ما ذكرناه محررا في كلامهم فراجع.