أقول: كأنّه (قدس سره) لم يلاحظ الكفاية- أيضاً- فإنّه لا إشكال في صحّة ما ذكره (قدس سره) من أنّ هذه القاعدة من الفلاسفة إنّما ذكروها ردّاً على مذهب الأشاعرة من الجبر؛ حيث استدلّوا عليه: بأنّ الشيء ما لم يجب لم يوجد، و ما لم يمتنع لم ينعدم، فليس الإيجاد و الإعدام بالاختيار، حتّى الأفعال الصادرة منه تعالى و العياذ باللَّه.
فأجاب عنه الفلاسفة: بأنّ الإيجاب بالاختيار لا يُنافي الاختيار، و كذلك الامتناع بالاختيار لا يُنافي الاختيار، فإنّ الشيء و إن كان ما دام لم يجب لم يوجد، و ما لم يمتنع لم ينعدم، لكن هذا الإيجاب و الامتناع السابق إنّما هو بالاختيار و الإيجاب و الامتناع بالاختيار لا يُنافي الاختيار، بل هذا الوجوب و الامتناع يؤكّد الاختيار [1].
و الحاصل: أنّ المراد من القاعدة في المقام أنّه لا تقبح العقوبة على ما لو أوقع نفسه اختياراً في ارتكاب الحرام، فإذا قال المولى لعبده: «أنقذ ابني الغريق»، فأعجز نفسه، و أوقعها فيما لا يمكن معه الإنقاذ اختياراً، فلا ريب في أنّه يستحقّ العقوبة، و هذا بخلاف ما إذا اريد من ذلك أنّه بعد اختياره السبب و إيجاده هل يُنافي الاختيار في إيجاد المسبّب و عدمه؟ فإنّه لا إشكال في أنّ الامتناع بالاختيار بهذا المعنى يُنافي الاختيار، فمن ألقى نفسه من شاهق باختياره، فبعد الإلقاء- و هو فيما بين السماء و الأرض- لا اختيار له.
هذا كلّه بالنسبة إلى الحكم التكليفي للخروج.
و أمّا بالنسبة إلى الحكم الوضعي- أي الصحّة و الفساد- لو اشتغل بالعبادة حال الخروج، فقال في «الكفاية»:
إنّه لا إشكال في الصحّة مطلقاً في الدار المغصوبة على القول بالاجتماع، و أمّا على القول بالامتناع فكذلك لو غلب ملاك الأمر على ملاك النهي مع ضيق الوقت، أو اضطرّ إلى الغصب و لو كان بسوء الاختيار، مع وقوعها حال الخروج على القول