التبادر علامة الحقيقة و تبادر الغير علامة المجاز، و قبل توضيح الكلام في ذلك لا بدّ من تحرير محلّ النزاع.
فاعلم: أنّه لا يختصّ البحث بما إذا اطلق اللّفظ و استُعمل في معنىً معيّن، و علم أنّه المراد، و لم يعلم أنّه معنىً حقيقي له أو مجازي، فيُعرف ذلك بالتبادر و تبادر الغير، بل محلّ البحث أعمّ منه و ممّا إذا لم يستعمل اللّفظ في معنىً أصلًا.
فما يقال: من أنّ مرجع القول- بأنّ التبادر علامة للحقيقة و تبادر الغير علامة للمجاز- إلى أنّه لو اطلق اللّفظ و استُعمل في معنىً، عُلم إرادته منه، لكن لم يُعلم أنّه حقيقة فيه أو مجاز، فإن وقف الذهن عليه و لم يتجاوز عنه، فهو علامة الحقيقة، و يُكشف به أنّ استعماله في معناه الحقيقي من «حقَّ الشيءُ» إذا ثبت و لم يتجاوز عن موضعه. و إن تجاوزه ذهن المخاطب و انتقلَ إلى غيره من المعاني، فهو علامة للمجاز؛ بمعنى أنّه يُستكشف بذلك أنّ اللّفظ مُستعمل في معناه المجازي من «جاز الشيءَ» إذا تعدّاه.
فعليه: لا بدّ أن يكون هناك معنىً حقيقي و معنىً مجازي، و عُلم إرادة أحدهما المعيّن، و لم يُعلم أنّه حقيقة فيه أو لا، و لم يُعلم أنّ اللّفظ في أيّهما حقيقة و في أيّهما