و قد عرفت أنّ التحقيق: هو أنّ بعض الحروف موضوعة للدلالة على تحقّق الربط في الخارج، مثل: «زيد له القيام»، أو «سرتُ من البصرة إلى الكوفة»، و أمّا القضايا التي لا تشتمل على الحرف، فالدالّ على الربط فيها هو الحمل في مثل: «زيد قائم» و أنّ بعض الحروف موضوع لإيقاع معناها و إيجاده في الخارج بالاستعمال، ك «ياء» النداء و حروف القسم و التنبيه و الردع و نحوها.
ثمَّ إنّ وضع الحروف من أي قسم من أقسام الوضع؟
ذهب في «الكفاية»: إلى أنّ الوضع و الموضوع له و المُستعمل فيها عامّ، كما في أسماء الأجناس، و أنّ الخصوصيّة إنّما جاءت من قبل الاستعمال بتصرّف الواضع في الاستعمال؛ حيث وضع لفظ «الابتداء» ليراد منه عند الاستعمال معناه الاسمي بنفسه، و وضع لفظة «من» ليراد منها معنى الابتداء أيضاً، لكن لا بنفسه، بل بما أنّه حالة و آلة لملاحظة الغير، فهما مُترادفان، إلّا أنَّه لا يجوز استعمال أحدهما في مورد الآخر.
و الدليل على ذلك: هو أنَّه لو كان الموضوع له و المستعمل فيه أو كلاهما خاصّاً، فالخصوصيّة: إمّا خارجيّة، أو ذهنيّة.
فعلى الأوّل: يُشكَل بأنّ الحروف كثيراً ما تستعمل في المعاني الكلّيّة مثل:
«سِرْ من البصرة إلى الكوفة» حيث إنّ السير و الابتداء قابلان للصدق على كثيرين.
و على الثاني فيُشكَل أيضاً:
أوّلًا: بأنّ لحاظ الحروف حالة لغيرهما كلحاظ الاسم مستقلًا، فكما أنّ لحاظ الاستقلاليّة ليس مُعتبراً في الموضوع له في الأسماء أو المستعمل فيه فيها، كذلك لحاظ أنّها حالة للغير في الحروف.
و ثانياً: يلزم امتناع صدقه على الخارج؛ لأنّه كلّي عقلي حينئذٍ، فيمتنع الامتثال في مثل قوله: «سِرْ من البصرة إلى الكوفة» إلّا بالتجريد.
و ثالثاً: باستلزامه المحال، و هو اجتماع اللحاظين؛ فإنّ لحاظ كونه حالة للغير