و كنت أظنّ سابقاً أنّ ضابطة المسائل الاصوليّة، هي أنّ كلّ مسألة تقع كُبرى القياس و نسبتها إلى النتيجة نسبة الكُلّي إلى المصاديق، فهي من المسائل الاصوليّة، مثل قولنا: «هذا خبر الواحد، و كلّ خبر الواحد حجّة، فهذا حجّة» فإنّ نسبة الكبرى المذكورة إلى النتيجة نسبة الطبيعي إلى مصاديقه.
و لهذا يرد على الشكل الأوّل من الأشكال الأربعة للقياس الاقتراني إشكال الدور المشهور [1] و يدفع بالإجمال و التفصيل، أو باختلاف العنوانين، بخلاف المسألة الفقهيّة، فإنّ نسبتها إلى النتيجة ليست كذلك؛ أي نسبة الكلّي إلى المصداق، كما في «كلّ ما يُضمن بصحيحه يُضمن بفاسده» فإنّه يُقال في القياس: إنّ الإجارة مثلًا يُضمن بصحيحها، و كلّ ما هو كذلك يُضمن بفاسده، فالإجارة يُضمن بفاسدها، و كذلك البيع.
و ليس نسبة هذه الكبرى إلى النتيجة المذكورة نسبة الطبيعي إلى مصاديقه؛ حيث إنّ البيع و الإجارة كليّان، لا من الجزئيات و المصاديق.
لكن فيه أيضاً إشكال، فإنه يبحث في الفقه عن البيوع و الإجارات الخارجية.
و الذي يقتضيه دقيق النظر: هو أنّ كثيراً من المسائل المبحوث عنها في علم الاصول خارجة عنه، و ليست من مسائله، و ذلك كمبحث المشتقّ، و حجّيّة الظواهر، و أنّ الأمر هل يدلّ على الوجوب أو لا، و النهي على الحرمة، و مباحث صيغ العموم، و أنّ الألف و اللّام للاستغراق أو لا؟ إلى غير ذلك من نظائرها، فإنّها في الحقيقة من المسائل اللّغويّة؛ إذ لا فرق بينها و بين البحث عن معنى الصعيد و نحوه، و إنّما ذكروها في الاصول لنكتةٍ، و هي أنّها ممّا يعمّ بها البلوى، و يحتاج إليها في جميع أبواب الفقه أو أكثرها، و لأهميّة الاجتهاد فيها؛ لعدم اعتمادهم فيها على اجتهاد اللّغويّين، و بعض من المسائل المبحوث عنها في علم الاصول من المباحث الفقهيّة، كقاعدة أصالة الحِلّيّة،