لا شبهة في أنّه قد استعملت صيغة الأمر في معانٍ: كالبعث، و الإغراء، و التمنّي، و الترجّي، و الإعجاز، و التسخير، و التهديد. و غير ذلك ممّا ذكره الاصوليّون، فهل هو حقيقة في الجميع أو لا؟ خلاف.
و التحقيق: أنّ هيئات الأفعال على قسمين: فبعضها موضوعة للحكاية و الإخبار عن معانيها و تحقّقها في الخارج، مثل «ضرب»، أو الإخبار بأنّه ستتحقّق في المستقبل، مثل «يضرب».
و بعضها موضوعة لإيجاد البعث و إغراء المخاطب نحو الفعل، مثل هيئة صيغة الأمر، نظير ما عرفت سابقاً من أنّ الحروف على قسمين:
إخطاريّة لتحقّق معانيها قبل الحكاية و الإخبار، مثل لفظة «في و من و إلى»، في مثل «زيد في الدار»، و «سرت من البصرة إلى الكوفة».
و إيقاعيّة توقع معانيها باستعمالها، فليس لمعانيها تحقّق قبل استعمالها مثل «واو» القسم و حروف النداء و نحوها فباستعمالها يوجد النداء و القسم.
و بالجملة: هيئة صيغة الأمر مثل «اضرب» موضوعة لإيجاد البعث و الإغراء باستعمالها نحو الفعل، غاية الأمر أنّه يختلف الداعي إلى البعث: فإنّه إمّا لوجود المصلحة في الفعل المأمور به، فالداعي هو إيجاده في الخارج، و إمّا هو نفس البعث من دون وجود مصلحة في الفعل الخارجي، و إمّا أمر آخر، كالتهديد و التعجيز و غيرهما، فالدواعي للأمر مختلفة، لا أنّ صيغة الأمر مستعملة فيها، فإنّها دائماً مستعملة في البعث فقط في جميع موارد استعمالاتها، و إنّما الاختلاف في الدواعي.